شهد عام 2014 العديد من الأحداث التى حرص المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» على رصد اتجاهات المصريين نحوها. تضمن ذلك استطلاعات للرأى سبقت الانتخابات الرئاسية، واستطلاعات ما بعد التصويت للاستفتاء على الدستور ولانتخابات رئاسة الجمهورية، وقد جاءت نتائج هذه الاستطلاعات قريبة جداً من النتائج الرسمية للانتخابات، كما أسهمت فى بناء رصيد معرفى ضرورى لفهم الخريطة السياسية فى مصر، والتى تتسم بقدر غير قليل من الغموض. ونعرض فى هذا المقال أهم النتائج التى رصدها مركز بصيرة على مدار العام مع التركيز على النصف الثانى من العام والذى شهد خطوة مهمة من خطوات خارطة الطريق وهى انتخاب رئيس الجمهورية.
■ الموافقة على أداء الرئيس:
التزم المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» بإجراء استطلاع رأى عام شهرى لقياس مدى الموافقة على أداء الرئيس. ويُطلب من أفراد العينة العشوائية اختيار أحد البدائل التالية: موافق بشدة، موافق، غير متأكد، غير موافق، غير موافق على الإطلاق. وقد احتفظ الرئيس فى الاستطلاعات الأربعة التى تمت بعد 80 يوما، وبعد 100 يوم، وبعد 5 شهور، وبعد 6 شهور بنسب موافقة مرتفعة، حيث بلغت نسب الموافقين 82%، 82%، 88%، و86% على التوالى. وإذا حللنا نسب الموافقة إلى مكونين «موافق بشدة» و«موافق»، نجد أن النسبة الأولى كانت تفوق النسبة الثانية، حيث بلغت فى آخر استطلاع للرأى 58% مقابل 28%. ومع ارتفاع نسبة الموافقين بشدة على أداء الرئيس، إلا أنه يلاحظ وجود انخفاض نسبى بين الأصغر سناً، فقد وصلت نسبة الموافقين بشدة على أداء الرئيس إلى 49% بين الشباب فى الفئة العمرية 18-30 سنة مقابل 72% بين من تجاوزوا عمر الخمسين. وهى نتيجة تستوجب من القيادة السياسية التعامل مع الشباب وقضاياه بقدر أكبر من إعمال الخيال السياسى وتجاوز الحلول التى سبق تجربتها دون نجاح يذكر.
■ الموافقة على أداء مرسى مقابل السيسى:
إذا ما قارنا الموافقة على أداء الرئيس السيسى بالموافقة على أداء الرئيس السابق محمد مرسى بناء على استطلاعات الرأى التى تمت بنفس المنهجية، نجد أن نسبة الموافقة بعد انقضاء المئة يوم الأولى من بداية فترة الرئاسة كانت 78% للرئيس السابق محمد مرسى، مقابل 82% للرئيس السيسى. وعلى الرغم من أن الفرق لا يبدو كبيراً، إلا أن شدة الموافقة اختلفت اختلافاً ملحوظاً، ففى حين توزعت نسبة الموافقة التى حصل عليها الرئيس السابق محمد مرسى بين 29% موافقون بشدة و49% موافقون، توزعت النسبة التى حصل عليها الرئيس السيسى إلى 58% موافقون بشدة و24% موافقون.
الفارق الرئيسى بين نتائج استطلاع الرأى العام الذى أجرى خلال فترة رئاستى مرسى والسيسى يكمن فى اتجاه الموافقة على أداء الرئيس بعد مرور المئة يوم الأولى أو فترة شهر العسل. فبالنسبة للرئيس السابق محمد مرسى، فقد خسر شعبية واضحة بعد إصداره الإعلان الدستورى المكمل فى 21 نوفمبر لتنخفض نسبة الموافقين على أدائه من 78% إلى 57% ليستمر منحنى الموافقة فى اتجاه هبوطى ليصل فى الشهر التاسع إلى 47% ثم 46% ثم 42% ليصل فى نهاية شهر يونيو 2013 إلى 32%. بالنسبة للرئيس السيسى، فقد احتفظ بنسب موافقة مرتفعة لينهى عام 2014 بنسبة موافقة 86%.
■ تقييم أداء رئيس الوزراء:
بالنسبة لمعرفة تقييم المواطنين لأداء رئيس الوزراء، تشير نتائج السؤال حول ما إذا كان المصريون يرون أداءه جيدا أم متوسطا أم سيئا، إلى أن 56% يرون أداءه جيدا و15% وصفت أداءه بالمتوسط، وكانت نسبة من ذكروا أن أداءه سلبى 3%. أما باقى العينة والتى تزيد على الربع فقالوا إنهم لا يعرفون تقييمه. وإذا نحينا المجموعة الأخيرة جانباً، تصل نسبة من قالوا إن أداءه جيد نحو 4 أضعاف من قالوا إن أداءه متوسط أو سيئ. ونتائج استطلاعات الرأى التى تمت بنفس المنهجية على كل من الدكتور هشام قنديل والدكتور حازم الببلاوى توضح تفوق رئيس الوزراء الحالى المهندس إبراهيم محلب، فبعد مرور 5 شهور على كل منهم، كانت نسبة من ذكر أن أداء رئيس الوزارة جيد تصل إلى 18% فى فترة الدكتور هشام قنديل و22% فى فترة الدكتور حازم الببلاوى، مقابل 59% للمهندس إبراهيم محلب.
■ هل شعر المواطن بتحسن فى الشهور الستة الأخيرة؟
لقياس درجة رضا المواطن عن أداء الدولة بشكل تفصيلى، تم توجيه سؤال عن مدى التحسن الذى شعر به المواطن منذ تولى الرئيس السيسى منصب الرئاسة، وذلك فيما يتعلق بثمانية مجالات وهى: استرجاع الأمن، المرور، رفع وإزالة القمامة، توافر الوقود، ضبط الأسعار، تحسين مستوى المعيشة لمحدودى الدخل، تعامل الأمن مع المواطنين، وأخيرا العلاقات الخارجية. وجاءت استجابات المواطنين لتشير إلى أن الملف الأول الذى شعر المواطن بتحسن فيه هو العلاقات الخارجية، ثم توافر الوقود، وجاء فى المرتبة الثالثة استرجاع الأمن، ثم تعامل الأمن مع المواطن فى المرتبة الرابعة، وبلغت نسبة من ذكروا أنه حدث تحسن كبير فى أى من هذه الملفات أكثر من نصف العينة. أما الملفات الأخرى والتى تشير النتائج إلى درجة منخفضة من الرضا فكانت من نصيب المرور ورفع وإزالة القمامة. وجاء ملفا ضبط الأسعار وتحسن مستوى المعيشة لمحدودى الدخل ليعكسا قدرا أقل من رضا المواطن، ليظل هذان الملفان التحدى الأكبر الذى يواجه الحكومة فى عام 2015.
والنتائج المشار إليها تعكس اتجاهات الشعب المصرى إجمالاً، إلا أن النظر إلى الشرائح الاجتماعية المختلفة يعطى مزيداً من التفاصيل التى يجب أن تهتم بها النخب السياسية والمسؤولون الحكوميون لما تتضمن من قدر أكبر من التحديد الذى يمكن أن يفيد فى رسم السياسات وفى ترتيب الأولويات. ومن المفيد الإشارة إلى أنه فيما يتعلق بملف ضبط الأسعار، فقد كانت درجة عدم الرضا أعلى بين سكان الحضر وبين الطبقة الوسطى. أما بالنسبة لملف تحسين مستوى معيشة محدودى الدخل فقد ازداد عدم الرضا بين الجامعيين، والذين كانوا أكثر انزعاجاً أيضا من تعامل الأمن مع المواطنين ومن عدم حدوث تحسن فى المرور. كما لوحظ أيضاً أن الإناث والشباب أقل من 30 سنة، كانوا أقل شعورا باسترجاع الأمن.
ومثل هذه النتائج والتى لا يتسع المجال للمزيد منها، يجب ألا تغيب عن متخذى القرار والمخططين والمسؤولين الحكوميين القائمين على إدارة التواصل المجتمعى، فهى تحمل بعض الإشارات التى من غير المستبعد أن تزداد احمراراً فى المستقبل القريب والتى من الحكمة التعامل معها قبل أن تتفاقم.
أثبتت الأحداث التى مرت بها مصر منذ قيام ثورة 25 يناير أن استطلاعات الرأى العام كانت مُنبئة. ولو كانت النخب السياسية قد قرأت هذه النتائج دون تعال، لأمكنها تجنب إخفاقات عديدة، ولكنه الداء المزمن الذى يجعل البعض يؤثر إنكار العَرَض على معالجة المرض. فهل نتجاوز هذا الداء ونحن بصدد بناء الدولة الحديثة؟
المصري اليوم