هل تعلم عزيزى القارئ أن عدد المساجد والكنائس فى مصر يصل إلى 100 ألف وأن عدد المدارس فى مصر يصل إلى 50 ألفا. والعدد المذكور للمدارس يشمل المدارس بجميع أنواعها حكوميا وأزهريا وخاصا ودوليا. ما دلالة المقارنة بين الرقمين؟
من المؤكد أن المدارس تعج بالتلاميذ للدرجة التى أصبح معها الارتقاء بجودة التعليم عصا على القدرات المادية والبشرية المتاحة. وإذا كان المتوسط العام للتلاميذ فى الفصل على مستوى الجمهورية يدعو للقلق على جدوى أية جهود لإصلاح التعليم فإن التفاوتات بين المحافظات تجعل إصلاح التعليم فى بعض المحافظات أقرب إلى خيال علمى.
بدون الدخول فى الأرقام التفصيلية فإن تكلفة النسبة الأكبر من المساجد والكنائس فى مصر تأتى من التبرعات الفردية، والتى لها دوافع مشروعة، حيث يعتقد المصريون أن بناء دور العبادة هو بطاقة تضمن لهم دخول الجنة، أما بناء المدارس فلا يرتبط فى أذهان المصريين بالآخرة. وقد نشرت جريدة الشروق يوم 14 أبريل تحقيقا صحفيا بقلم حمادة عاشور يتناول دوافع أخرى لبناء المساجد فى مصر، ولكن مما ذكره أن هناك ألفى مسجد وزاوية فى محافظة قنا فقط لم يصدر قرار بضمها للأوقاف حتى الآن لمخالفتها شروط وضوابط القرار الذى يشترط ألا تقل مساحة صحن المسجد عن 100 متر، ولا تقل ملحقاته عن 70 مترا. ويشير التقرير إلى أنه فى مركز واحد فقط من مراكز المحافظة تضاعف عدد المساجد 4 مرات خلال السنوات السبع الأخيرة. والسؤال المحير هل الزيادة الكبيرة فى إنشاء الزوايا الأهلية ــ والتى لا تلتزم بالمواصفات البنائية السليمة ــ وراءها زيادة موازية فى التقوى أم زيادة موازية فى الذنوب التى يرغب فاعلوها فى التطهر منها من خلال بناء دور العبادة.
ظاهرة أخرى تتصل بالموضوع وتثير الانتباه، وهى معدلات النمو المرتفعة التى شهدها التعليم الأزهرى فى مصر. ففى السنوات العشر ما بين 2001/2002 و2011/2012 ارتفع عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية فى التعليم العام (التابع لوزارة التربية والتعليم) بنسبة 35%، مقابل 60% ارتفاعا فى عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية فى التعليم الأزهرى. وفى مرحلة التعليم الإعدادى، ارتفع عدد مدارس التعليم العام بـ 30% مقابل 61% للمعاهد الأزهرية، وفى مرحلة التعليم الثانوى ارتفع عدد مدارس التعليم العام بـ 56% مقابل 79% للمعاهد الأزهرية. يضاف إلى ذلك أن جامعة الأزهر هى أكبر جامعة فى مصر من حيث عدد الطلاب، فقد وصل عدد طلابها إلى 269 ألف طالب فى عام 2011/2012، بزيادة قدرها 42 ألف طالب على جامعة القاهرة ثانى أكبر جامعة فى مصر من حيث عدد الطلاب.
إذا سلمنا بالتالى:
ــ المصريون يرون فى بناء دور العبادة طريقا إلى الجنة.
ــ المساجد تستخدم استخداما كاملا فقط يوم الجمعة وفى صلاة التراويح.
ــ المدارس تكون مغلقة أيام الجمعة وأثناء صلاة التراويح.
ــ دور العبادة والمدارس يجب أن تقام فى أماكن التجمعات السكانية التى يرتفع بها سعر الأرض.
فى ضوء هذه المسلمات ألا يمكننا أن نبتكر تصميما لمدارس يكون بها صالة متعددة الأغراض تُستخدم للأغراض الدراسية فى أيام الدراسة، وتتحول إلى مكان للصلاة أيام الجمع وأثناء صلاة التراويح، يدخل بها المتبرعون الجنة وفى نفس الوقت يتقدم التعليم خطوات إلى الأمام. هل يمكن أن نفكر فى إنقاذ منظومة التعليم الذى نُصر دائما على أنه المشروع القومى بأساليب غير تقليدية؟ اقتراح أضعه تحت تصرف الهيئة العامة للأبنية التعليمية وأمام مؤسسات المجتمع المدنى. كما أضعه أمام وزارتى التعليم والأوقاف إذا ما اتسع صدرهم للتفكير خارج الصندوق.
وأؤكد أنه فى ضوء الوضع المتردى للتعليم فى مصر وفى ضوء الزيادة السكانية التى حدثت فى السنوات الأخيرة والمتوقع حدوثها فى السنوات المقبلة، فإن مصر بحاجة ماسة لتطبيق أفكار غير تقليدية فى التعليم. وبالإضافة إلى الفكرة، التى ذكرت لتعظيم العائد التنموى للمشاعر الدينية فإن هناك أفكارا عديدة ينشرها من وقت لآخر خبراء تستحق نظرة جدية من القائمين على التعليم.
فقد كتبت وكتب غيرى عن استخدام تكنولوجيا المعلومات فى التعليم بشكل جرىء وبدون تردد. وأقصد هنا بأسلوب عام 2020، وليس بالأسلوب الذى كان مستخدما عام 1980. فالهدف ليس إضافة معمل كمبيوتر به 20 جهاز كمبيوتر مكتبى فى مدرسة بها 500 تلميذ، وتعيين أمين معمل يكون وظيفته المحافظة على العهدة للدرجة التى تحد من استخدام التلاميذ للكمبيوتر، ولكن ما نريده هو جهاز تابلت لكل تلميذ يقيم فى قرية فقيرة، عليه تطبيقات تعليمية بأسلوب مشوق، يُكرس التعلم النشط ويطلق العنان للفضول العلمى، ينطلق كل تلميذ من خلاله إلى تنمية مواهبه، التى تختلف من تلميذ إلى آخر.
إن مصر ستكون مجبرة على استبدال المنظومة الحالية بمنظومة تعتمد على التعليم الذاتى بواسطة أجهزة التابلت، ولكن ومع الأسف لن يحدث هذا إلا بعد أن يطمئن المجتمع أنه تم تجريبها بنجاح فى كل دول العالم، وبعد أن تصبح مصر الدولة قبل الأخيرة فى استخدام التابلت فى التعليم، لنؤكد أننا نستحق عن جدارة لقب الدولة الأولى فى المؤشر الدولى للفرص الضائعة (المؤشر لا يتم حسابه وأرجو ألا يصدر حتى لا يسبب لمصر مزيدا من الحرج). ويبدو أن مثلث الحفاظ على المصالح الخاصة والخوف من التغيير وافتقاد الخيال العلمى والسياسى يكرس منظومة التشبث بما ألفينا عليه آباءنا ولا يقتصر ذلك على التعليم فقط.
الشروق