تجرى استطلاعات ما قبل التصويت فى معظم الديمقراطيات العريقة منذ سنوات طويلة، وقد بدأت فى الولايات المتحدة الأمريكية منذ منتصف القرن الماضى. وتهدف هذه الاستطلاعات إلى معرفة اتجاهات تصويت الناخبين للمرشحين المختلفين. كما تفيد فى فهم خصائص الذين سيصوتون لكل مرشح ومعرفة الفئات العازفة عن المشاركة فى العملية الانتخابية؛ مما يساعد كل مرشح على إعادة صياغة خطابه وتصحيح حملته الانتخابية لاجتذاب هذه الفئات من ناحية أخرى. وبالنسبة للجمهور العام تعد هذه الاستطلاعات وسيلة لمعرفة اتجاهات الرأى العام ومدى توافقها مع اتجاهاته الشخصية.
ما شهدته مصر فى الشهرين الأخيرين يجعلنا نتساءل: «هل نجحت استطلاعات ما قبل التصويت فى التنبؤ بانتخابات الرئاسة؟». وللرد على هذا السؤال دعونا نعد مرة أخرى إلى نتائج استطلاعات الرأى التى أجريت فى الشهرين الأخيرين وشملت أسئلة حول انتخابات الرئاسة، وأقصد هنا الاستطلاعات التى أجراها المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة) حيث أجرى المركز خمسة استطلاعات بدأها باستطلاع فى نهاية شهر فبراير قبل إعلان أسماء المرشحين ثم تبعه باستطلاع فى نهاية مارس ثم نهاية إبريل ثم استطلاع يوم 11 مايو واستطلاع يوم 18 مايو أعلنت نتيجته يوم 19 مايو قبل بداية فترة الصمت الانتخابى التزاماً من المركز بالقانون الذى أصدرته لجنة الانتخابات الرئاسية والذى يمنع نشر نتائج أى استطلاعات رأى فى الأيام الخمسة السابقة للانتخابات وفى أيام الانتخابات.
وقد أظهر استطلاع شهر فبراير أن 45% من الذين سيشاركون فى الانتخابات لم يكونوا قد قرروا بعد المرشح الذى سينتخبونه و51% سينتخبون السيسى و1% سينتخبون صباحى وتوزعت باقى النسب (3%) على أسماء أخرى. وشهدت هذه النسب بعض التغييرات الطفيفة لتستقر فى آخر استطلاع للرأى اُجرى يوم 18 مايو، أى قبل أسبوع من تاريخ الانتخابات، عند 29% لم يقرروا بعد و69% سينتخبون السيسى و2% سينتخبون صباحى.
وإذا طبقنا القاعدة المعمول بها فى حساب النسبة التى حصل عليها كل مرشح فى الانتخابات، حيث يتم قسمة عدد الأصوات التى حصل عليها كل مرشح على إجمالى الأصوات الصحيحة والتى تمثل مجموع الأصوات التى حصل عليها كل المرشحين، نجد أن النسبة التى حصل عليها السيسى فى الاستطلاع الأخير تبلغ 97% ونسبة صباحى 3%، وهى نفس النسب التى أعلنتها لجنة الانتخابات الرئاسية بعد فرز النتائج، حيث أعلنت اللجنة حصول السيسى على 96.9% من أصوات الناخبين وحصل صباحى على 3.1% من أصوات الناخبين.
هذه النتائج تؤكد نجاح استطلاعات الرأى العام فى التنبؤ بنتائج الانتخابات رغم أن آخر استطلاع قد أجرى قبل الانتخابات بأسبوع كامل وهى فترة تحتمل حدوث العديد من التغيرات. لا يفوتنى أن أشير أيضاً إلى أن هذه الاستطلاعات تمت من خلال الهاتف (الثابت والمحمول)، وهو ما يدعونى إلى دعوة بعض الزملاء الإعلاميين إلى مراجعة موقفهم الرافض لاستطلاعات الرأى العام التى تتم من خلال الهاتف. إن صناعة استطلاعات الرأى حققت نجاحات موثقة فى الفترة الأخيرة، ويجب ألا يُنظر إليها على أنها مطلوبة فقط فى مواسم الانتخابات. إن الرأى العام المصرى الذى أثبت أنه أصبح- منذ قيام ثورة 25 يناير- كائنا شديد التعقيد وسريع التغير يستوجب الرصد السريع والمحايد، كما يستحق التحليل المتعمق والمتكامل، ولا يتم ذلك إلا بالأساليب العلمية، أما التخمينات والتقديرات المرسلة فقد عفا عليها الزمن.
المصري اليوم