ليس هناك أدنى شك فى أن المشهد المصرى بعد ثورة 25 يناير مارس الإقصاء بشكل حاد ضد المرأة المصرية. وكل ما قيل حول نائبة رئيس جمهورية وحول عدد معقول من الوزراء وحول محافظين من النساء بدا كما لو كان أحلام يقظة لم تترجم ولو جزئيا إلى واقع. ومنذ قيام ثورة 25 يناير يمكن تمييز ثلاثة أنماط من الحكم: حكم يقوده المجلس العسكرى، ثم حكم يقوده تيار الإسلام السياسى، ثم حكم يقوده تيار مدنى. ولم يكن المجلس العسكرى متحمسا لزيادة مسئوليات المرأة المصرية فى تولى مناصب قيادية وهو أمر يمكن تفهمه من مؤسسة محافظة بطبيعة تكوينها وأيضا بحكم استثنائية الظروف التى فرضتها مرحلة ما بعد الثورة. وعندما تولى الإخوان حكم مصر فلم يكن من المتوقع أن يتسع المجال العام للمرأة إلا بشكل محدود وشكلى. أما المفاجأة الكبرى فكانت فى استمرار الأمر فى ظل تيار مدنى يقود المسيرة.
وبلغة الأرقام التى لا تكذب ولا تتجمل فإن آخر حكومة قبل قيام ثورة 25 يناير كانت تضم ثلاث وزيرات، وتراجع العدد فى الوزارات التالية إلى وزيرة واحدة ثم وزيرتين. والتشكيل الوزارى الحالى تفوق عدد حقائبه عدد حقائب الحكومات السابقة ولكن ذلك لم يشفع لزيادة عدد الوزيرات عن ثلاث وزيرات، أى أقل من 10% من عدد الوزراء، وهو نفس العدد الذى ضمته آخر حكومة سبقت ثورة 25 يناير.
وبلغة الأرقام أيضا فإن عدد النساء المشاركات فى لجنة الخمسين المنوط بها كتابة الدستور المصرى اقتصر على خمس سيدات أى بنسبة 10% من إجمالى عدد أعضائها. وتجدر الإشارة إلى أن واحدة منهن تمثل المجلس القومى للمرأة وواحدة تمثل المجلس القومى للأمومة والطفولة، وأظن أن متخذ القرار لا بد أنه استشعر الحرج فى ألا يكون تمثيل هذين المجلسين من الفريق النسائى. والحكومة الحالية تضم رموزا سياسية تقود التيار المدنى الذى طالما هاجم إقصاء المرأة ومجموعة من التكنوقراط الذين يتمتعون بقدر كبير من الكفاءة ناهيك عن آرائهم التنويرية ولذلك فإن التوقعات التى كانت معقودة عليهم لضمان تمثيل منصف للمرأة المصرية فى لجنة الخمسين كانت مرتفعة، ومع الأسف جاءت النتيجة مخيبة للآمال.
والسؤال الأول الذى يطرح نفسه بقوة ألا تتمتع المرأة المصرية بالكفاءة التى تسمح لها القيام بدور أكبر فى المجال العام؟
ما أستطيع رصده هو وجود عدد كبير من الإناث اللاتى يمتلكن قدرات ومعارف وسلوكيات وأخلاقيات تسمح لهن بتولى أرفع المناصب وتُنبئ بأداء متميز يفوق أداء كثير من الرجال. وإذا كان هناك عديد من النساء الذين يملكون هذه القدرات فلماذا تغيب المرأة عن المشهد باستثناء وجود رمزى، وما هو سبب هذا التصنيف الذى يتبناه أصحاب القرار من الرجال والذى ينظر إلى المرأة نظرة دونية ولا يرى فى كثير من النماذج النسائية الناجحة إلا استثناءات لا يمكن تعميمها. وما هو السبب فى هذا القدر من الإقصاء الذى يُمارس ضد المرأة المصرية، وما هو السبب فى هذا الاستدعاء الانتقائى لها لاستكمال المشهد على نحو شكلى، وغياب قناعة حقيقية بالقيمة المضافة التى يمكن أن تحققها المرأة المصرية فى مشهد لم يحقق الرجال فيه نجاحات تبرر انفرادهم بمقعد الصدارة.
وأشير فى هذا الصدد إلى استطلاع للرأى العام أجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» حول مدى الموافقة على تمثيل المرأة فى الوزارة الجديدة بثلاث وزيرات. وتشير النتائج إلى أن 61% من المصريين يرون أن عدد 3 وزيرات عدد مناسب بينما 16% فقط يرونه عدد قليل. ومن اللافت للنظر أن 18% فقط من الإناث ذكرن أن المرأة كان يجب أن تمثل بعدد أكبر فى الوزارة. كما كان من اللافت للنظر أيضا عدم وجود فروق واضحة بين الجامعيين وغير الجامعيين، وهو ما يدعو للتأكيد أن التعليم الذى نقدمه ليس له أى تأثير تنويرى ولا ينجح سوى فى إضافة ورقة عليها ختم النسر إلى ملف التقدم للوظيفة.
وهذه النتائج ربما تفسر سلوك متخذى القرار الذين يتقاعسون عن الطرح الشجاع لتنمية القيم المواتية للتنمية ولا يبذلون الجهد ولا يريدون تحمل مخاطر قيادة المجتمع فى الاتجاه الصحيح. وهنا تظهر أهمية دور الإرادة السياسية للنخب الحاكمة فى إحداث تحول ثقافى فى الاتجاه الصحيح، ودور الزعامات التاريخية فى قيادة الجماهير إلى الأمام بدلا من أن تلهث وراء الجماهير فى اتجاهها للخلف.
وفى ظل هذه الممارسات الإقصائية يبدو من المهم محاولة توقع شكل مجلس النواب القادم من حيث نسبة تمثيل المرأة. ويتقاطع ذلك مع الحديث حول النظام الانتخابى والذى يتجاذبه أنصار القائمة وأنصار الانتخاب بالنظام الفردى. ومن المهم الإشارة إلى أنه لم تنجح أى امرأة على مقعد فردى فى انتخابات مجلس النواب الماضى، وهذا لا يعنى أن نظام القائمة قد عالج تمثيل المرأة فى المجلس النيابى، فكل ما نجم عنه هو إضافة عدد قليل من النائبات يعدل 2% فقط من عدد نواب القائمة، وبالتالى فإن النظام الانتخابى لن يصلح ما أفسده الدهر.
والأمل الآن معقود على المرأة المصرية نفسها، والمرأة المصرية يمكن أن تشكل أكبر «لوبى» فى الانتخابات، وفى السياق المصرى لانتخابات مجلس النواب فإن هناك عددا كبيرا من المرشحين يتنافسون على مقاعد البرلمان، وفى الانتخابات الأخيرة كان متوسط عدد المرشحين فى الدائرة الواحدة 73 مرشح، ووصل فى إحدى الدوائر إلى 159 مرشحا، وهو ما يؤدى إلى تفتيت شديد للأصوات، ولو اجتمعت الناخبات فى أى دائرة على مساندة مرشحة معينة فإنها ستفوز بالقطع وعلى أقل تقدير ستدخل الإعادة. أى أن ضمان تمثيل مشرف للمرأة فى البرلمان لن يتحقق إلا إذا تجمعت أصوات الناخبات لترجح فوز عدد منصف من المرشحات. أما عقد الأمل على الأحزاب الليبرالية فلن يأتى إلا بالفتات، ويبدو لى أن الأحزاب المدنية وأحزاب الإسلام السياسى لا تتطابق مواقفها إلا فى عدم تمكين المرأة، وهو ما ستثبته أو تنفيه الشهور القليلة القادمة.
وحتى يتسق القول مع العمل فالأحرى بكل من يتشدق بشعار «المرأة نصف المجتمع» أن يكون صادقا مع نفسه ومع الآخرين ويقول إن «المرأة عُشر المجتمع».
الشروق