جاء فجر يوم 14 أغسطس ببداية تنفيذ تكليف الحكومة المصرية لوزارة الداخلية بفض اعتصام أنصار الرئيس السابق محمد مرسى برابعة العدوية وميدان النهضة، وأثارت هذه التحركات المجتمع الدولى ضد الحكومة المصرية متهمةً إياها بعدم التزامها بتعهداتها بالحفاظ على حرية التعبير السلمى عن الرأى. جاءت معظم ردود المجتمع الدولى على فض الاعتصام حادة بدأتها تركيا بطلبها تدخل مجلس الأمن فى الشئون المصرية، ثم الدنمارك التى قررت وقف المساعدات لمصر، والولايات المتحدة الأمريكية التى ألغت مناورات النجم الساطع وهى المناورات التى كانت تتم بصورة مشتركة بين جيش الولايات المتحدة الأمريكية والجيش المصرى.
لقد وصف بعض السياسيين المصريين اعتصامى رابعة العدوية وميدان النهضة بأنها ليست اعتصامات سلمية وإنما تجمعات مسلحة، وأن هذه الاعتصامات هى أسلوب يبتز به حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان الحكومة المصرية. كما وصفت وكالة الأسوشيتدبرس –وهى وكالة أمريكية- اعتصامات مؤيدى الرئيس السابق فى رابعة العدوية وميدان النهضة أمام جامعة القاهرة، بأنها باتت مرتعاً للاحتجاجات التى تغلق المرور وتثير العنف فى الشوارع إما مع قوات الأمن أو المعارضين للجماعة.
غير أن المجتمع الدولى افترض أن هذه الاعتصامات سلمية تماماً ولا تؤثر على حياة المصريين، وتعامل مع فض الاعتصام كما لو كان مفاجئا لم يسبقه أى محاولات من الحكومة لاحتواء الأزمة وفض الاعتصام بصورة سياسية. لقد تناسى المجتمع الدولى الجهود التى قامت بها الحكومة المصرية طوال الأيام التى سبقت فض الاعتصام لمحاولة إيجاد حلول والتفاوض مع حزب الحرية والعدالة لفض الاعتصام.
وبغض النظر عن طبيعة هذه الاعتصامات ومدى سلميتها إلا أن المجتمع الدولى كان عليه أن ينتبه إلى أنه إذا كان لمؤيدى الرئيس السابق الحق فى الاعتصام السلمى، فيجب ألا يكون ذلك على حساب سكان هاتين المنطقتين الذين أصبح عليهم التخلى عن حريتهم فى الحياة. فقد أصبح سكان هاتين المنطقتين يعيشون تحت حالة من الحصار يخضعون للتفتيش من قبل المعتصمين مع كل خطوة يخطونها حول منازلهم، لا يستطيعون الخروج والدخول لمنازلهم بحرية، هذا غير ما قد يواجهونه من مواقف تعرض حياتهم وصحتهم للخطر، وبالتالى أصبح سكان المنطقتين يرفضون هذه الاعتصامات.
وبعيداً عن النطاق الضيق لسكان هاتين المنطقتين، فإن معظم الشعب المصرى لم يعد متعاطفاً مع مظاهرات واعتصامات مؤيدى الرئيس مرسى. هذا ما أظهره استطلاع أجراه المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة) فى نهاية شهر يوليو الماضى، حيث أوضحت نتائج الاستطلاع أن 71% من المصريين غير متعاطفين مع المظاهرات المؤيدة للرئيس و20% فقط متعاطفين معها بينما 9% لا يستطيعون تحديد موقفهم منها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة المتعاطفين تشمل هؤلاء الذين يرغبون فى عودة الرئيس السابق وأيضاً الذين لا يوافقون على عودة الرئيس السابق لكن يرون أن حرية التظاهر والتعبير مكفولة للجميع.
وجدير بالذكر أن هذا الاستطلاع قد لاقى اهتماماً واضحاً فى الصحف العالمية وقد كتب الكاتب والمحلل السياسى الشهير توماس فريدمان فى النيويورك تايمز مقال بعنوان "الثلاث ثورات المصرية" علق فيه على الوضع فى مصر وأشار إلى نتائج هذا الاستطلاع. وهو ما يعنى أن هناك من وسائل الإعلام الأجنبية ما نقل رأى المصريين وموقفهم للعالم.
لقد فقد الرئيس مرسى وحزب الحرية والعدالة خلال السنة التى حكموا فيها مصر كثيرا من مؤيديهم أو الموافقين على أدائهم، فاستطلاع الرأى الذى أجراه مركز بصيرة بصورة دورية خلال العام الذى حكم فيه الرئيس السابق محمد مرسى مصر حول أداء الرئيس أظهر أن نسبة الموافقين على أداء الرئيس انخفضت من 78% فى نهاية المائة يوم الأولى من حكمه إلى 32% فقط فى نهاية العام، كما انخفضت نسبة الذين ينوون انتخابه مرة أخرى من 58% فى نهاية المائة يوم الأولى من حكمه إلى 25% فقط فى نهاية العام.
كما كرر مركز بصيرة استطلاع للرأى تم سؤال المصريين فيه عن تقييمهم لحكم الإخوان المسلمين بعد سنة من بدايته مرتين؛ الأولى فى نهاية شهر يونيو والثانية فى نهاية شهر يوليو، وقد أظهر الاستطلاع فى نهاية شهر يونيو أن 64% من المصريين يرون أن حكم الإخوان المسلمين كان أسوأ مما توقعوا، وارتفعت النسبة فى نهاية شهر يوليو إلى 75%.
نتائج الاستطلاعات تظهر أن معظم المصريين لم يعودوا مؤيدين لحكم الإخوان كما أنهم غير متعاطفين مع هذه المظاهرات والاعتصامات ولا يرغبون فى استمرارها، فلماذا يتخذ المجتمع الدولى موقفاً مخالفاً لرأى المصريين؟
وهنا يأتى السؤال الذى يفرض نفسه على الأذهان "هل يهتم المجتمع الدولى برأى المصريين فى سياسة وأوضاع بلدهم قبل اتخاذ أى موقف تجاه تحركات الحكومة المصرية؟ أليس هناك من ينبه حكومات هذه الدول إلى ضرورة وضع رأى المصريين فى اعتبارهم قبل اتخاذ أى موقف دولى من السياسة الداخلية لمصر؟".
اليوم السابع