من المؤكد أن درجة عدم اليقين التى اعتراها المشهد السياسى فى الأيام العشرة الأخيرة من شهر يونيو كانت غير مسبوقة وأن توقعات النخب السياسية سواء التى تجلس فى مقاعد الحكم أو تلك التى تقف فى خندق المعارضة كانت متباينة بشكل مدهش وأن هذه التباينات لم تقترب فى توقعاتها من تقدير دقيق لرد الفعل الشعبى الذى يتسم بدجة كبيرة من التنوع الذى لا يخلو من استقطاب حاد والذى مهد لما تشهده مصر الآن.
وجرت العادة على أن يقوم المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» بإجراء استطلاع للرأى العام خلال الأسبوع الأخير من كل شهر يوزعه على كل وسائل الإعلام بغض النظر عن اتجاهاتها السياسية أو الايديولوجية، وبذلك تصل النتائج إلى المواطن المصرى البسيط فى نفس اللحظة التى تصل فيها إلى النخب السياسية الحاكمة أو المعارضة. وقد حرص المركز نظرا للأهمية الخاصة لهذه اللحظة باعتبارها نهاية السنة الأولى لحكم أول رئيس مصرى منتخب بعد ثورة 25 يناير أن يقدم مزيدا من المعلومات التفصيلية للمواطن المصرى من خلال قياس أداء الرئيس على مستوى المحافظات وهو ما استتبع مضاعفة حجم العينة ثلاث مرات لتصل إلى حوالى 6000 مقابلة بعد أن كانت 2000 مقابلة فى الاستطلاعات التى تم إجراؤها على مدى العام الماضى.
ويضاف إلى ذلك أن ثلاث مؤسسات إعلامية طلبت من مركز بصيرة إجراء استطلاعات للرأى العام خلال الأيام العشرة الأخيرة من شهر يونيو بصفة حصرية وهى مؤسسة الشروق وقناة الحياة وقناة الجزيرة وذلك بهدف التنافس فى تقديم محتوى معرفى لقرائها أو مشاهديها. وقد تباينت الأسئلة التى تم توجيهها فى كل واحد من هذه الاستطلاعات ولم يكن ذلك بالأمر الصعب فى ضوء تعدد الأسئلة الحائرة التى يموج بها المشهد السياسى.
ونعرض فيما يلى أبرز نتائج الاستطلاعات الأربعة دون تعليق وأترك لكل متلق قراءة هذه النتائج كما تتراءى له:
● تقييم أداء الرئيس:
● انخفاض نسبة من يوافقون على أداء الرئيس إلى 32% مقارنة بنحو 42% فى نهاية الشهر الحادى عشر و78% فى نهاية المائة يوم الأولى.
● اتساع الفجوة بين نسبة الموافقين وغير الموافقين على أداء الرئيس إلى 29 نقطة مئوية بنهاية شهر يونيو، (32% موافقون مقابل 61% غير موافقين).
● تراجع نسبة من ينوون إعادة انتخاب الرئيس إلى 25% مع انخفاض النسبة بين الشباب (19% مقابل 30% بين الذين تجاوزوا الخمسين)، وبين سكان المحافظات الحضرية (16% مقابل 35% بين سكان الوجه القبلى)، وبين الجامعيين (18% مقابل 30% بين الذين لم يحصلوا على مؤهل متوسط).
● وجود تفاوت واضح بين المحافظات فى نسبة الذين ينوون إعادة انتخاب الرئيس (11% - 43%)، وكانت المحافظات التى تقل بها النسبة عن 20% هى بورسعيد، دمياط، السويس، الاسكندرية، الدقهلية، القاهرة، وكفرالشيخ. وفى المقابل ارتفعت نسبة الذين ينوون انتخاب الرئيس إلى أكثر من 30% فى محافظات الحدود، أسيوط، سوهاج، بنى سويف، قنا، أسوان، المنيا والفيوم.
● وفى سياق متصل جاء تقييم حكم الإخوان ليبين أن 64% يرون أنه أسوأ مما كانوا يتوقعون، و15% ذكروا أن حكم الإخوان جاء متوافقا مع توقعاتهم، وذكر 8% أن حكم الإخوان كان أفضل مما كانوا يتوقعون.
● الأزمة السياسية:
● ذكر 84% من المصريين أن مصر تواجه أزمة سياسية وارتفعت درجة استشعار الأزمة بين الجامعيين لتصل إلى 92%. وفى محاولة للتعرف على رؤية المصريين لسبل الخروج من الأزمة، جاءت الانتخابات الرئاسية المبكرة على رأس القائمة تليها تدخل الجيش، ثم تشكيل مجلس رئاسى ثم استمرار الرئيس.
● وجاءت الإجابة عن سؤال حول التوقعات لأوضاع البلد لو امتدت الفترة الانتقالية واستمر المجلس العسكرى فى الحكم خلال السنة الماضية مؤيدة للحكم العسكرى، حيث أشار 59% إلى أن الأوضاع كانت ستصبح أفضل، وذكر 10% أنها لم تكن لتتغير، وذكر 18% أنها كانت ستصبح أسوأ.
● عند طرح سؤال حول إمكانية حل الأزمة من خلال إجراء انتخابات لمجلس النواب تفرقت الإجابات وجاءت النسبة الأكبر (36%) لتستبعد ذلك مقابل 21% توقعوا أن تؤدى الانتخابات إلى حل الأزمة، وذكر 27% أن الأمر يتوقف على تشكيل المجلس المنتخب.
● بالسؤال عن سبب عدم الاستقرار فى مصر أرجع 43% سببه إلى الثورة المضادة، وتعدد تعريف الثورة المضادة وإن ربط العدد الأكبر من المستجيبين بينها وبين النظام السابق على اندلاع ثورة 25 يناير.
● مظاهرات 30 يونيو:
● ذكر 30% من المصريين أنهم ينوون المشاركة فى مظاهرات 30 يونيو وذكر 6% أنهم غير متأكدين وذكر باقى المستجيبين أنهم لن يشاركوا فى المظاهرات. وارتفعت نسبة الذين ينوون المشاركة إلى 40% بين الشباب.
● بسؤال المشاركين فى الاستطلاع حول تأييد حركة تمرد وتأييد حركة تجرد، أظهرت النتائج أن 39% يؤيدون حركة تمرد و6% يؤيدون حركة تجرد وأن 35% لا يؤيدون أيهما، وقد ارتفعت نسبة تأييد حركة تمرد فى المناطق الحضرية إلى 49%.
● ذكر 39% أن المشهد سينتهى بحدوث عنف وسقوط قتلى وذكر 23% أن يوم 30 يونيو سيشهد مظاهرات وينتهى الأمر عند هذا الحد، وذكر 12% أن المظاهرات ستؤدى إلى اسقاط الرئيس. وكان استشعار العنف كنتيجة أكثر وضوحا بين الجامعيين وبين سكان المدن.
أعتقد أن القراءة المحايدة والمتأنية لهذه النتائج تشير إلى الفرص الضائعة التى لو تم استغلالها لجنبت مصر تبعات لا ندرى مداها، والأهم من ذلك ان هذه النتائج قد تفيد فى إدراك أن مصر ليست ملك فصيل واحد وأن مقعد القيادة يجب أن يتسع للجميع.
الشروق