الإصلاح التشريعى هو إحدى الأدوات المهمة الواجب إعمالها فى مرحلة التحول الديمقراطى من أجل التحول من رومانسية الثورة إلى واقع يشعر به المواطن. وحزمة القوانين التى يتطلع إليها كل من يحلم بإصلاح حقيقى تشمل العديد من القوانين ومنها قانون حرية تداول المعلومات.
وقضية حرية تداول المعلومات يجب ألا يُنظر إليها باعتبارها ترفا فكريا وإنما يجب النظر إليها باعتبارها أحد عناصر تمكين المواطن ومن ثم المجتمع ككل، للمساهمة فى بناء دولة حديثة. وعلى الرغم من أن تداول المعلومات يعتبر إحدى الوسائل المهمة لتحقيق التحول الديمقراطى، فإنه أيضا الأداة التى يمكن من خلالها بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
وتحليل الظرف المصرى الحالى يؤكد أن مؤسسة الرئاسة إذا ما أصدرت قانونا عصريا لحرية تداول المعلومات فإنها ستحقق مكسبا، أظنها فى أمس الحاجة اليه. والخوف كل الخوف أن تستمع لنصائح اتباع سياسة تقديم الحد الأدنى وتكتفى بإلقاء فتات قانون لا يروى ظمأ شعب لديه رغبة فى ممارسة حقه فى المساءلة التى غابت عن القاموس المصرى لعقود عديدة.
إن صدور قانون محترم لتداول المعلومات هو شرط ضرورى لوضع إطار مؤسسى ينظم تدفق المعلومات باعتبارها حقا يحصل عليه المواطن بكرامة وليس منحة يستجديها بمهانة. ولكن السؤال الملح هو «إذا كانت الحكومات مؤمنة بمبادئ إتاحة المعلومات فهل يجب أن تُبقى على انسداد قنوات تدفق المعلومات لحين صدور القوانين المنظمة لذلك أم تبادر بإتاحة المعلومات طواعية دون أن يضطرها النص القانونى إلى ذلك؟». لماذا لا تستخدم الحكومة الخيال السياسى وتثير دهشتنا وتفاجئ المواطن بإتاحة المعلومات طواعية دون انتظار لقانون يجبرها على ذلك؟
إن العقبة الكئود أمام تحويل قانون حرية تداول المعلومات إلى واقع يشعر به المواطن هو الثقافة التى تسود المجتمع الذى ينحاز إلى حجب المعلومات ولا يتقبل فكرة أن الولوج إلى المعلومات حق أصيل من حقوق المواطنة. والأسباب التى تؤدى إلى استمرار ذلك عديدة، منها أن احتكار المعلومة يشكل قوة لمن يقوم باحتكارها حتى وإن جاءت هذه القوة خصما من القوة الجمعية للوطن.
وأزعم أن الحكومة لو أخذت زمام المبادرة قبل صدور القانون سيساهم ذلك فى تغيير ثقافة الموظف الحكومى. فإن قيام الموظف الحكومى بإتاحة المعلومات وهو مضطر لذلك ستجعله يتفنن فى التحايل لتفريغ القانون من مضمونه. أما شعور الموظف بأنه يتيح المعلومات طواعية ــ حتى قبل صدور القانون ولائحته التنفيذية ــ فإن ذلك سيخلق مناخا صحيا ينعكس على العلاقة بين المواطن والحكومة بشكل إيجابى.
وأعتقد أن الحكومة التى ستنفذ هذا التحول سيكتب اسمها فى التاريخ باعتبارها هزمت أكبر تحد يواجه البيروقراطية المصرية وأزالت أكبر عقبة تحول دون نجاح سياسات مكافحة الفساد وعبرت أكبر عائق أمام بناء منظومة للمتابعة والتقييم تكون أساسا للمساءلة التى لم يعرفها المصريون لأكثر من نص قرن.
لماذا لا تبادر مؤسسة الرئاسة أو رئاسة مجلس الوزراء بإعلان نوايا تبادر فيه بالتعهد باتخاذ إجراءات محددة تؤكد بها التزامها بحرية تداول المعلومات دون انتظار صدور قانون، وفيما يلى مقتحات محددة فى هذا الشأن:
• إتاحة كل قرارات رئيس الجمهورية على موقع إلكترونى والامتناع عن إصدار قرارات تنشر فى الوقائع الرسمية تحت ترقيم قرار رقم «... مكرر» والذى تم اللجوء إليه فى الماضى بهدف إخفاء هذه القرارات أو بقصد إثبات تاريخها بشكل مزور. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من استخدام رئيس الجمهورية لأدوات التواصل الاجتماعى مثل التويتر بشكل مكثف، وهو شىء يحسب له، فإن مؤسسة رئاسة الجمهورية ليس لديها موقع على شبكة الإنترنت على الرغم من مرور أكثر من عشر شهور على انتخاب الرئيس.
• إتاحة كل قرارات رئيس مجلس الوزراء على موقع مجلس الوزراء والذى لا يقدم حاليا الحد الأدنى لمحتوى معلوماتى تقدمه معظم الدول النامية لمواطنيها.
• نشر أسماء المعتقلين وتاريخ اعتقالهم وتجديد هذه القائمة بشكل دورى مناسب واعتبار وزير الداخلية مسئولا دستوريا عن دقة هذا البيان.
• نشر بيانات وافية عن نتائج المناقصات الحكومية وهى إحدى مبادرات وزارة التنمية الإدارية التى اختفت من الخريطة فى وقت يحتاج إليها المجتمع المصرى لتنفيذ مبادرات مسكوت عنها ــ ربما عن غير قصد ــ فى مجال الحوكمة.
• نشر بيانات وافية عن التعيينات الحكومية ومدى التزامها بمبدأ تكافؤ الفرص.
• نشر المرتبات (بما فى ذلك أية بدلات أو مكافآت) التى يحصل عليها كبار المسئولين فى الدولة بها بمن فيهم رئيس الجمهورية ومساعديه ومستشاريه ورئيس مجلس الوزراء والوزراء ورؤساء المؤسسات الحكومية وشركات القطاع العام، وقيام كل وزارة أو هيئة حكومية بنشر أسماء ومرتبات المسئولين الذين يحصلون على أعلى 20 مرتبا.
• نشر المرتبات والمكافآت التى يحصل عليها رئيس وأعضاء مجلس الشورى ورئيس وأعضاء مجلس النواب.
• قيام كل وزارة أو هيئة حكومية بالإفصاح عن عدد السيارات الحكومية التى تحمل لوحات خاصة والتى يستخدمها المسئولين الحكوميون وعدد المسئولين الذين يستحوذون على أكثر من سيارة، وتكلفة تشغيل هذه السيارات.
• نشر إحصاءات عن توزيع الصحف الحكومية وميزانيات المؤسسات الصحفية التى تصدرها.
بعض هذه البيانات سيؤدى نشرها إلى كشف فساد أو تناقضات غير عادلة ربما لا يدرى بها رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء ولكنهم يتحملون وزرها، وبعض البيانات الأخرى قد تبرز ضآلة ما يحصل عليه بعض المسئولين ومن ثم ستدحض شائعات وانطباعات استقرت فى وجدان المواطن دون دليل يؤكدها. وفى الحالتين فإنها فرصة للرئاسة أو للحكومة تسجل هدفا سهلا قبل مرور الوقت الضائع فى مباراة سياسية حرص الفريقان فيها على التعادل السلبى.
الشروق