قبل أسبوع تقريبًا، نشر المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة)، فى إطار سلسلته اليومية «رقم اليوم»، خبرًا يقول: ارتفع عدد مستخدمى الإنترنت فى مصر بين عامى 2020 و2021 بحوالى 4.5 مليون مستخدم، بزيادة قدرها 8.1%، ليصل عددهم (إلى) 59.2 مليون مستخدم فى 2021. لا أدرى إلى أى مدى أثار هذا الخبر اهتمام القراء، وإذا كان له أثر فهل كان إيجابيًا أم سلبيًا، وما إذا كان هذا الخبر يعبر عن حالة من التقدم العام فى البلاد. بالنسبة لى كان الحال كذلك، فمنذ نشر كتابى «مصر دولة متقدمة» عام 2004، والذى كان «التقدم» فيه هو محور الآمال المُعلَّقة التى على مصر تحقيقها.
وأيامها فإن مفاهيم مثل «الحرية» و«العدالة» و«الاستقلال» بالطبع كانت شائعة بقوة، وفى أيام وأعقاب ثورة يناير أُضيف إليها «العيش» و«الكرامة الإنسانية»، ولكن التقدم ظل غائبًا. ومع ذلك فإنه لا يمكن تجاهل خبر «بصيرة» ليس فقط لأنه يعطينا خبرًا سارًا، وهو أن قرابة 60 مليون مصرى يمتلكون زمام هذه الوسيلة، التى تُعد أول الأبواب إلى التقدم فى العصر الحديث والولوج إلى مستقبل سوف يكون فيها الأداة لكثير من المعرفة.الشائع لدينا أن الاهتمام الفكرى ينصب دائمًا على مَن لا يملكون هذه المهارة، والجائز أن ما هو معروف من 25% ممن لا يعرفون القراءة والكتابة، و29.7% من الفقراء يقعون خارج هذا العدد. ومع ذلك فإن مَن توصلوا إلى هذه القدرة لا يشكلون الأغلبية فقط، وإنما أكثر من ذلك فإنهم من الناحية المطلقة يشكلون كتلة كبيرة وغالبة من الشعب المصرى، والأرجح أنهم من ذلك القسم الذى لديه الثروة والعلم والمهارة والمشاركة فى الناتج المصرى الإجمالى. هؤلاء أيضًا الأكثر استجابة وقدرة فى التعامل مع عملية «رقمنة» الدولة، التى تُستخدم الآن فى التسجيل لتلقى اللقاح الخاص بفيروس كورونا، أو للتعامل مع الضرائب العقارية، أو للتسجيل فى الشهر العقارى.
الأمر هكذا سوف يختلف كثيرًا عما هو شائع من أن الإقبال على استخدام «الإنترنت»- وهو الاختصار العملى لكلمة «كمبيوتر»- يؤدى إلى استخدامه فى كل ما هو تافه وعديم القيمة وأحيانًا ما هو ضار مثل الشغف بالمواقع الجنسية، وما هو ضار مثل التعامل مع أدوات التواصل الاجتماعى. ورغم وجود قدر من الصحة فى ذلك، فإن القدر من الطيب الذى يأتى به هذا الاستخدام، سواء فيما يحققه من تقدم على أصعدة كثيرة، بعضها يخص الدولة وبعضها الآخر يخص المواطن، وبعضها الثالث يخص التفاعل فيما بينهما. الأمر فى الأول والآخر مثل «النار» التى تحرق وتدفئ وتصير فى أحوال جمة مصدرًا للطاقة، وكما استخدمها الإنسان فيما يدمر استخدمها أكثر بكثير فيما يقيم الحياة ويجعلها أكثر سعادة.
«الإنترنت» الآن واحدة من أهم علامات «التقدم» داخل مصر، ولو أن هناك ما يستحق الملامة فهو أننا تأخرنا كثيرًا فى استخدامه، وعانت من ذلك الصحافة المصرية بشدة حينما كانت، ولا تزال، هناك مقاومة للتعامل مع هذه الأدوات التى لم تعد حديثة وإنما جزء من العصر مثل السيارة. أذكر أنه فى مؤسسة صحفية كبرى ورغم تواجد الأجهزة والموارد المالية التى تساعد على صيانتها واستخدامها، فإن القيادة اختارت فى ذلك الوقت أن تستمر على الكتابة والطباعة على ما هى عليه من خلال صالة للتجميع تتم فيها الكتابة على الكمبيوتر كما لو كان نوعًا حديثًا من «الآلة الكاتبة» التقليدية. وعندما جرى التنبيه أن «الكمبيوتر» ليس مجرد آلة كاتبة متقدمة، فإن الإجابة أن الولوج إلى «الإنترنت» سوف يعنى التوجه إلى المواقع الجنسية.
بالمثل الآن فإن الشكوى من سلبيات «وسائل التواصل الاجتماعى» على حقيقتها تغفل تمامًا أن الإنترنت المُعزَّز الآن بالقدرة على الاستخدام من خلال التليفون «الجوال» يوجد فيه ما هو أكثر بكثير من المعرفة، والتوصل إلى ما هو مفيد. الأصل فى التواصل الاجتماعى هو «التواصل» والتعرف ونقل أشكال مختلفة من المعرفة ومعها سوق اقتصادية كبيرة، وهى عمليًا تسهم فى نمو وتعميق الهوية، ونشر الحداثة، والتعامل مع الفنون والآداب. وللأسف فإنه ليس شائعًا مدى الذيوع والتناسب بين ما هو طيب وما هو قبيح، والظن عندى أن الأول هو الأكثر ذيوعًا وشيوعًا لأن ذلك هو ما تواضع عليه البشر فى كل العصور. ولحسن الحظ فإنه فى مصر الآن طفرة كبيرة فى مجالات تكنولوجية متنوعة، تقع فى مقدمتها استخدامات الطاقة الشمسية وما يسمى «التكنولوجيا الخضراء»، التى تنتج منتجات غير كربونية. ولكن لذلك حديث آخر يطول!.
المصرى اليوم