نشرت مقالا منذ عدة أشهر كان عنوانه الأساسي "نائب رئيس الوزراء لشئون السكان" أقترح فيه استحداث منصب نائب رئيس الوزراء لشئون السكان، ولكن حدث خطأ مطبعي حيث وضع عنوان المقال خطأً على أنه وظيفتي، وبعد تلقى الكثير من المزاح حول هذا المنصب الذي منحني إياه المسئولون عن طباعة المقال دون أن أدري توقفت عند الأمر وأخذت أفكر ماذا كنت سأفعل لو كنت فعلًا هذا النائب.
ومع اعترافي بأن تولي هذا المنصب يحتاج بالإضافة إلى الخبرة في العمل في مجال السكان إلى مواصفات لا تتوافر معظمها فيّ كأن يكون القائم به سياسيا محنكا يمتلك من الخبرة والدبلوماسية والمرونة ما يساعده على التنسيق بين 7 وزراء و3 مجالس قومية على الأقل تتوزع مسئولية قضية السكان بينهم وعلى توجيههم وأحيانًا محاسبتهم..
كما أنه لا يصلح له شخص مسيحي، ليس لشئ غير أن وجود مسيحي في هذا المنصب سيعطي فرصة أكبر للتيارات الدينية المتشددة لأن تروج لفكرة تنظيم الأسرة على أنها مؤامرة على الإسلام وغيره من الحجج التي سمعناها في السنوات العشر الماضية، بالرغم من ذلك وضعت نفسي في مكان هذا النائب.
أخذت أفكر في الأولويات خاصةً بعد المفاجأة التي فجرها السيد اللواء أبو بكر الجندي رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بوصول عدد السكان داخل مصر في التعداد في أبريل 2017 إلى 94.8 مليون نسمة وتخطي حاليًا 96 مليون، وهي بالمناسبة فرصة لتوجيه الشكر للواء أبو بكر الجندي على جهوده الكبيرة لإنجاز التعداد باستخدام التكنولوجيا الحديثة مما اختصر الوقت اللازم لصدور نتائجه من أكثر من سنتين إلى نحو 4 شهور فقط.
لقد وضعنا صدور نتائج هذا التعداد بسرعة أمام مجموعة من الحقائق الصادمة أهمها أن الزيادة السكانية مشكلة تزداد خطورة يومًا بعد يوم حتى أصبحت خارج السيطرة، وأن في ظل هذه الزيادة ما زال أكثر من ربع المصريين أميين لا يستطيعون القراءة في الوقت الذي تتحدث فيه كثير من دول العالم عن الأمية التكنولوجية، بالإضافة إلى وجود أكثر من 1.1 مليون فرد أقل من 20 سنة متسربين من التعليم قبل الجامعي في مراحله المختلفة.
ومن هنا نعود إلى أولويات هذا النائب والتي أراها كما يلي:
أولًا: التنسيق بين وزارة التخطيط ووزارة المالية ووزارة الصحة لتوفير الموارد المالية اللازمة لتوفير وسائل تنظيم الأسرة حيث تشير الدراسات الوطنية إلى أن نسبة السيدات التي لديها حاجات غير ملباة تصل إلى نحو 13%، وكذلك توفير الموارد لتحسين دخول الأطباء في مراكز تنظيم الأسرة في المناطق المهمشة خاصةً ريف الوجه القبلي لضمان استمرار الأطباء في مواقعهم وتقديم الخدمة بكفاءة وبصورة منتظمة.
ثانيًا: منح السيدات اللاتي لديهن طفلين أو أكثر المستفيدات من برنامج تكافل مبلغا إضافيا طوال فترة استخدامهن لوسائل تنظيم الأسرة حيث يغطي هذا البرنامج أكثر من مليون ونصف سيدة في أفقر شريحة وهي الشريحة التي تزداد فيها معدلات الإنجاب.
ثالثًا: الإسراع بتطبيق نظام التأمين الصحي الشامل الذي يضمن تقديم الخدمات الصحية لكافة المواطنين ومن ثم رفع المستوى الصحي وهو عنصر أساسي من عناصر التنمية البشرية، وتضمن توفير وسائل تنظيم الأسرة ضمن خدمات التأمين الصحي الشامل.
رابعًا: التنسيق بين وزارة التعليم وزارة الاتصالات والتضامن الاجتماعي لإدخال نظام التعليم عن بعد باستخدام التابلت وتوفير خدمات الإنترنت المناسبة لذلك ودعمها لتصبح مجانية أو بأسعار زهيدة لهذا الغرض، خاصةً في المناطق الفقيرة والتي لا تتواجد بها أماكن كافية للطلبة في المدارس أو يصعب بناء مدارس فيها مما يضطر الطلبة إلى الذهاب لمدارس بعيدة وهو ما يشكل دافع من دوافع التسرب..
وسيضمن إدخال نظام التعليم من خلال التابلت والتعليم عن بعد توفير فرص تعلم أفضل والقضاء على التسرب وخفض عدد المدرسين اللازم والذين تعاني وزارة التربية والتعليم من نقص عددهم وضعف كفاءة معظمهم، حيث يصبح دور المعلم المتابعة وليس الشرح والمتابعة كما هو الحال حاليًا بالإضافة إلى توفير المبالغ التي تنفق على طباعة الكتب المدرسية كل عام والتي تتخطى 2 مليار جنيه حسب آخر تصريح لوزير التعليم.
إن قضية السكان تحتاج إلى تحرك سريع فنحن بالفعل في الطريق إلى الانتحار الجماعي الذي يحذر منه دائمًا أستاذنا الدكتور ماجد عثمان.
بوابة فيتو