ما الذى جرى؟ ماذا دهانا؟ أى رياح سامة هبت علينا؟ وبالتحديد ماذا طرأ على الشخصية المصرية؟ من غير النابه د. جلال أمين معنى بتشوهات الشخصية المصرية؟ ولماذا ساعة الدولة «متأخرة»؟ منذ شهور بعيدة حاورت د. ماجد عثمان المتخصص فى «السكانيات» ونبه الرجل إلى خطورة هذه الكثافة السكانية وطالبنا بإجراء حوار مجتمعى يحضره رئيس الدولة ويشترك فيه كل المعنيين وعلى رأسهم وزير الصحة أو نائبته النشيطة التى تمثله فى كل اجتماع وتبدأ باعتذاره عن الحضور! قلت يومها إن الكثافة السكانية واحد من هموم الدولة وهموم الرئيس، وقلت مخاطباً الهيئات المعنية بالأمر: ساعدوه، قدموا للرئيس ورقة عمل مشفوعة بتجارب الدول واقتراحات للمناقشة، ولم يتحرك أحد حتى تكلم الرئيس لينهى «حالة تنبلة» فى المجتمع واتسعت الدائرة لتشمل مجلس النواب، ولازال الأمر متأرجحا بين الحلال والحرام فى قضية مصيرية تثبت أن نصيبنا من التفكير المستقبلى: صفر..!! (٢)
ما الذى طرأ على الشخصية المصرية؟ لماذا- على سبيل المثال- لم نستمتع طويلاً بمهرجان الجونة السينمائى وتحضره وتنظيمه وضيوفه حتى حدثت سقطة لفظية، فأصبحت فوق الفيس بوك «حديث المدينة» والكل يتكلم عنها أكثر من الإشادة بالمهرجان المنظم ونحن مشهورن بعدم التنظيم ونلجأ لشركات أجنبية تنظم لنا مهرجاناتنا وعندما علمت بما جرى من «انفلات» قلت بالحرف الواحد: تلك أصبحت لغة الشباب السائدة، وهو مرتكب السقطة- لا يشعر مطلقا أنه أخطأ، فهذه- ياحضرات - مفردات لغة شباب هذا الزمن، ولعله قد أصابته الدهشة من رد فعل ما قال على الهواء أمام الملايين!! ما قاله طبيعى للغاية ما دامت الصحف قد استخدمت يوما فى مانشيتاتها كلمة «فشخ»! إن اللغة السائدة بين الشباب تعكس حجم ضآلة الفكر والثقافة، ولو كان الجميع قد أهملوا السقطة، ورجحوا الجانب المضىء من المهرجان لما أخذت هذا الجحم من الاهتمام.
ولكن الأهم عندى هو تلك الهزة التى أصابت البيت المصرى وضربته فى العمق وضربت القيم واللغة ومفردات التعامل، الأهم عندى كيف نعيد الحياء والاحترام والاحتشام واللياقة واللباقة والرجولة إلى شبابنا الذى وجد فى الفيس بوك مرتعا لتقيؤ الألفاظ الساقطة، والأدهى تراجع الرجولة ليحتل «الشواذ» أعمدة الصحف اليومية، إن قصيرى النظر محدودى الذهن يرون فيما أكتبه دعوة الإحباط، وهنا أقف لأقول «لو ظللنا نهذى أننا ميت فل وعشرة عمال على بطال لن نتقدم، إن «الرأى الأوحد» من أسلحة الدمار الشامل للمجتمع. لابد من هواء مختلف يدخل من النوافذ المفتوحة».
إن البنت المؤدبة تواجه الحياة بلا أى وعى، والأم الجاهلة تسقط فى فخ فتاوى غير مسؤولة ومواريث بالية والابن المنقلت، ربما كان «أبوه» ألعن.. وتصبح القضية المعنوية: البحث عن القدوة الغائبة!
(٣)هل باتت القدوة غائبة؟ هل اهتزت معايير القدوة؟ فى جيلى كنت أتطلع لمحمد حسنين هيكل كرمز لنجاح الصحفى أو كان عبدالحليم يحلم أن يكون فى شهرة عبدالوهاب وجمال الغيطانى مفتون نجيب محفوظ، اليوم صارت القدوة «نجم كورة ومعار لنادى أجنبى» وصارت القدوة الأسرع ثراء وصارت القدوة تجارة سريعة الربح، ولهذا تفشت الرشوة بسبب الصفقات المشبوهة والطمع الجارف والرغبة فى الثراء بين يوم وليلة. كل هذا «الطارئ» يصب فى المجتمع ويعمل على خلخلة القيم ولهذا تراجعت قيم كالشجاعة فى الاعتذار والتطوع الإرادى وحماية «بنت الحتة» من التحرش واختفت كلمات «كتر خيرك»، و»أنا ممنون لك» و«اتفصل أنت الكبير» اختفى «الأدب» و «توقير الكبير» و «المقعد لسيدة مسنِّة» وجاءت التكنولوجيا لتجعل الأسرة الواحدة مجموعة جزر داخل البيت الواحد كل فى عالمه الخاص، معه موبايل أو آى باد. فحدث الانقسام داخل البيت وزادت الغربة والمسافات، ربما أصبح الأب لا يعلم شيئاً عن ابنه، عن دراسته، أو صداقاته وأصبحت الأم تعمل لتضخ نقوداً فلم تعد تتابع بناتها اللواتى سيطرت عليهن صداقات لها تأثير سلبى، وأصبح طلب الرزق مطلبا مهما يسعون إليه ولم يعدالأب قدوة فربما كان أكثر انفلاتا، فأين القدوة للابن؟ لسنا ميت فل وعشرة. زمان، كانت السفرة أو الطبلية تجمعنا على الفطار أو العشاء. الآن، تفرقت الأسرة بحيث يصعب لم شلمها إلا فى الكوارث لا تقولوا لي أن العالم صار على نفس الوتيرة، لقد عشت حياة بعض العائلات الأوروبية فى ألمانيا والنمسا، تعودوا اللقاء اليومى على الإفطار ثم على مائدة إحدى الوجبتين، ودائماً يبدأون تناول الطعام بصلاة الشكر.
(٤)إن «الهجمة الشرسة» على الموبايلات الذكية تبدو واضحة وضوح شمس استوائية عند العرب!! تجد الواحد منهم يحمل ثلاثة أو أربعة موبايلات ويضعها أمامه فى استعراض ممقوت، إن عدد الموبايلات فى مصر مذهل ويصعب إحصاؤه إلا من جهات رسمية، هذه الموبايلات زادت العزلة والغربة والوحدة بين أفراد الأسرة الواحدة، أنا لا أفهم سر احتفاظ إنسان بأكثر من موبايل مالم يكن صاحب أعمال متعددة ولكن هذا الشغف المريض مسؤول عن «هزال» الأسرة وعدم صلابتها وعدم وقوفها أمام أمراض مجتمعية وقبولها بلا مقاومة لكل وافد وغريب من أفكار وسلوك. إن البوذيين نسبة إلى بوذا تجمعهم «قيم» التزموا بها فنجح اقتصادهم وتسربت عوامل النجاح للمجتمع. إن الحجة فى الاقتصاد الدكتور صبرى الشبراوى يحيل ما طرأ على الأسرة المصرية للاقتصاد. الضغط الاقتصادى أفرز نمطاً من القيم والسلوكيات لم يعرفه المجتمع من قبل. ويوم كان «الدين» وسيطاً فى المجتمع كانت هناك نية لتغيير الهوية المصرية تحت «الأسلمة السياسية» لولا السيناريو الإلهى بمجىء عبدالفتاح السيسى إلى مصر المنهوبة التى حاولوا باسم الذين أن تكون ولاية، أنقذها السيسى من بين مخالبهم وذقونهم!
(٥)مؤتمر اجتماعى يقوده الرئيس ومعه علماء النفس والاجتماع والفلسفة وعلى رأسهم التنويرى د. مراد وهبة يطلون إطلالة علمية على مجتمعنا اليوم، يفحصون الثوابت ويقررون ما يرون مع الاعتبار أن القضية معنوية ولكن البداية مهمة، فهل يأذنون؟ كان ماو فى الصين يقول: إن المجتمعات مثل الحدائق لابد من حين وآخر من قص الشوائب! ونحن لسنا ميت فل وعشرة.
فى الشأن العام
1- قدمت لميس الحديدى حفل توقيع كتابى «هيكل الآخر» باقتدار ومهنية وذكاء، المحاور ليس مجرد سؤال يطرح ولكنه حكاية مغلقة «تثقب» بسؤال، كانت لميس فى قاعة إحسان عبدالقدوس صحفية تبحث وتنقب وتفتش أعادت أيامها الأولى فى صباح الخير كانت واعدة وعلى موعد مع الشهرة، لميس مذيعة التليفزيون اللامعة نمط بسيط تعرف زملاءها بالاسم، وما حاولت الاستعلاء وهى تذاكر كل الشخصيات التى تحاورها وهى مخلصة فى الحديث مع سيدة بسيطة مظلومة بنفس الإخلاص وهى تحاور الشهبانو فرح ديبا، لميس الزى واللغة والمشاغبة متناغمة وهذا سرها.
2- لا يوجد فى مصر- بعد عبدالحليم حافظ مطرب يشدو بأوجاع الوطن والمثال الفنان لطفى بوشناق، إنه يصرخ وفى الصرخة بكاء «خدوا المناصب، خدوا المكاسب، بس سيبولى الوطن» لا أحد يملك صوتاً مؤثراً يسخره للنداء على وطن جريح، يضمد هذا الجرح ويحنو ويرفع علماً يرفرف، أقول ذلك وأنا أشعر أن ما نسمعه هو حب تنقصه الرومانسية، ما نسمعه ليس غناء يبقى، ويجب - فى مثل حرب الإرهاب- لابد من التكفير عن عبث فى الغناء، فن القول الجميل.
3- لا تغلقوا كل النوافذ فتهجم «العتمة» ويفسد الهواء واتركوا بعض النوافذ مفتوحة ليدخل هواء مختلف أكثر نقاء وفائدة، العناد لا يليق بمصر.
المصرى اليوم