إن حق الإنسان فى المعرفة هو أحد الحقوق التى نص عليها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 (المادة 19) ونص عليه العهد الدولى للحقوق السياسية والمدنية الصادر فى عام 1966. وهذا الحق تمت بلورته فى إعلان المبادئ الصادر عن القمة العالمية لمجتمع المعلومات «بناء مجتمع المعلومات: تحد عالمى فى الألفية الجديدة» عام 2003. كما أن ترسيخ حق المواطن فى الحصول غير المقيد على المعلومات هو اللبنة الأساسية لإرساء قواعد الحكم الرشيد التى تشمل: 1) الشفافية التى تؤدى إلى تعزيز الثقة، 2) المساءلة التى تؤدى إلى ضبط الأداء الحكومى، 3) المشاركة التى تؤدى إلى تقوية الشعور بالانتماء للوطن، 4) الاستجابة التى تشعر المواطن بأنه فى بؤرة الاهتمام. ويجب أن تعمل مصر من أجل إرساء الإطار التشريعى والمؤسسى لتيسير نفاذ المواطن للمعلومات، لاسيما أن أهداف ثورة 25 يناير لا يمكن تحقيقها فى غياب منظومة للمعلومات والإحصاء تتسم بالشفافية وتنظر إلى إتاحة المعلومات للمواطن باعتبارها حقاً وليس منحة.
حرية تداول المعلومات هو تحقيق نفاذ سريع وغير مقيد للمعلومات يمكّن المواطن المصرى والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية من القيام بدور فاعل فى المتابعة والمساءلة من أجل حياة أفضل، يتمتع فيها المواطن بالحرية والكرامة ويحصل فيها على حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون تمييز. كما أن تحقيق هذا النفاذ السريع وغير المقيد يحقق إدارة أفضل لبرامج التنمية تتسم بالكفاءة والفاعلية.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن إتاحة وتداول المعلومات يمكن أن يؤديا إلى بناء الثقة بين شركاء الوطن من مؤسسات حكومية ومؤسسات المجتمع المدنى والأحزاب والنقابات والقطاع الخاص والسلطة القضائية والسلطة التشريعية والأجهزة الرقابية والإعلام، وهى ثقة انحسرت لسنوات طويلة، وشكل غيابها عقبة لتحقيق التوافق حول القضايا التى تخص المصالح العليا للوطن. كما أن هناك كثيراً من المعلومات المتوفرة لدى جهات حكومية ويمكن أن تسهم إتاحتها فى تجنب أزمات طائفية أو فى الحد من إهدار المال العام.
وفى النهاية، فإن استحداث بيئة مواتية لإتاحة المعلومات للكل سيساعد على قيام الإعلام بدوره فى الرقابة المسؤولة وفى إدارة حوارات مجتمعية فى الشأن العام تتسم بالموضوعية. وهذه البيئة ستصل بالإعلام المصرى لدرجة أعلى من المهنية وستسمح بوضع المعايير الأخلاقية للممارسات الإعلامية موضع التنفيذ.
ويقترح أن ينص الدستور المصرى الجديد على أن الحصول على المعلومات هو حق من حقوق المواطنة يكفله الدستور والقانون لكل المواطنين، دون تمييز، باعتباره إحدى أدوات التمكين السياسى والاقتصادى للمواطن. ومن الضرورى أن ينص الدستور على أن إتاحة المعلومات الأساسية التى تمكن من إعمال المساءلة والاستجابة لطلبات المواطنين فى الحصول على أى معلومات إضافية هى مسؤولية أجهزة الدولة، كما يقترح أن ينص الدستور على المبادئ العامة التى تنظم قواعد إتاحة المعلومات وعلى الاستثناءات المتعلقة بالمعلومات التى يهدد تداولها سلامة المجتمع وأمنه أو فيما يتعلق بالحفاظ على خصوصية البيانات الشخصية.
ومن الأهمية بمكان أن تولى السلطة التشريعية اهتماماً خاصاً بإصدار قانون يكفل حرية تداول المعلومات. ويجب أن يأخذ قانون حرية تداول المعلومات أولوية لارتباطه بنجاح سياسات مكافحة الفساد واحترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهى أهداف أجمع الشعب عليها ونادى بها كمطالب أساسية لثورة 25 يناير. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الدول التى أصدرت قوانين تكفل حرية تداول المعلومات تجاوز تسعين دولة حتى يناير 2012، وقد سبقتنا دول نامية عديدة منها الصين والهند والبرازيل وتشيلى والمكسيك وبيرو وإندونيسيا وتايلند وباكستان وتركيا، بالإضافة إلى 8 دول أفريقية، منها جنوب أفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا.
ومن المهم أن يصدر القانون بحيث يساعد على حرية تداول المعلومات، لا أن يقنن القيود القائمة حالياً، (وهو ما حدث فى بعض الدول)، وأن يراعى الحفاظ على خصوصية البيانات الشخصية، وأن يقف موقف يتسم بالواقعية والحداثة من بعض اعتبارات الأمن القومى التى تجاوزتها التكنولوجيات الحديثة. ومن الضرورى أن ينظر القانون إلى المعلومات باعتبارها أداة لتمكين المواطن، مع تنظيم الاستثناءات الضرورية للحفاظ على أمن المجتمع، لاسيما فيما يتعلق بالمعلومات العسكرية أو الاستخباراتية، دون التوسع فى الاستثناءات بشكل غير مبرر ووضع آليات واضحة وشفافة ومحايدة لتنظيم البت السريع فى النزاعات المتعلقة بإتاحة المعلومات.
من المهم أن يتم استحداث إطار مؤسسى يكون مسؤولاً عن اتخاذ الإجراءات التى من شأنها ضمان حرية تداول المعلومات، ويُقترح استحداث مفوض عام للمعلومات، يعينه رئيس الجمهورية بناء على اقتراح من مجلس الشعب (أو مجلس الشورى)، على أن يرأس هيئة يتم استحداثها للقيام بكل ما من شأنه ضمان حرية تداول المعلومات، بما فى ذلك: 1) رسم سياسات إتاحة المعلومات والإحصاءات، 2) مراقبة أداء الأجهزة الحكومية فى الالتزام بقواعد تداول المعلومات، 3) إصدار تقارير دورية معلنة لتقييم أداء الأجهزة الحكومية بقوانين تداول المعلومات، 4) تعريف المواطن بحقوقه فى الحصول على المعلومات، 5) تحديد آليات البت فى النزاعات المتعلقة بالحصول على المعلومات، 6) وضع سياسات التدريب للعاملين فى مجال إتاحة المعلومات، 7) تقديم التوصيات التى من شأنها بناء ثقافة مواتية لتداول المعلومات.
ويكون لهذه الهيئة مجلس أمناء يختاره مجلس الشعب (أو الشورى) من عدد من الخبراء والشخصيات العامة المشهود لهم بالكفاءة والمهنية، ويكون رئيس الهيئة ومجلس الأمناء غير قابلين للعزل إلا بموافقة أكثر من نصف أعضاء مجلس الشعب (أو الشورى).
وفى النهاية، فإن الفترة الزمنية الفارقة التى يمر بها الوطن يجب ألا تمضى دون اتخاذ السبل التى تضمن للمصريين حياة حرة كريمة تسودها العدالة الاجتماعية والإنصاف فى توزيع الثروة، يشعر فيها كل مواطن بالانتماء. يثق فى مؤسساته ويمارس دوره فى مساءلتها، يسانده فى ذلك إعلام يطرح الحقائق بموضوعية ومهنية. وكل ذلك لن يتحقق إلا فى بيئة تسودها الشفافية، تعتبر إتاحة المعلومات هى الأصل وتحفز المواطن على استخدام حقه فى الحصول على المعلومات. ولن يتأتى ذلك إلا بنص دستورى وقانون يضمن تداول المعلومات باعتبارها حقاً أصيلاً من حقوق المواطنة وإحدى ركائز تحديث الدولة المصرية وإرساء قواعد الحكم الرشيد.
المصرى اليوم