أظهرت السنوات الماضية أن المشكلة السكانية هى أكبر عائق أمام تحقيق تنمية حقيقية فى مصر، فما بين مواليد جدد يتجاوز عددهم 2.7 مليون سنويا، وانخفاض جودة التعليم ومعدلات بطالة مرتفعة فى ظل سوق عمل يعانى من نقص العمالة المؤهلة، وواقع ثقافى يفضل إنجاب 3 أطفال على الأقل، تنضم عملية التنمية الحقيقية للمستحيلات الثلاثة. ولعل ما أوضحه تقرير التنمية البشرية الدولى الأخير من تراجع ترتيب مصر من حيث دليل التنمية البشرية ــ والذى يعكس خصائص السكان من حيث التعليم والصحة وكذلك القدرة على التنمية الاقتصادية ــ من الترتيب 108 إلى الترتيب 111 بالرغم من التحسن الطفيف الذى شهدته قيمة المؤشر نفسها يعكس أثر قضية السكان على مصر.
إن اختزال قضية السكان فى مصر باعتبارها مشكلة زيادة سكانية فقط يعد تهوينا للقضية، فقضية السكان يجب النظر لها بصورة أشمل تتضمن أبعادها المختلفة وهى الزيادة السكانية، وتراجع خصائص السكان والتى تشمل التعليم والصحة والمشاركة فى قوة العمل، وسوء توزيع السكان وتركزهم فى مساحة ضيقة لا تتجاوز 8% من إجمالى مساحة مصر، ووجود فجوات كبيرة بين مناطق الجمهورية المختلفة حيث تتراجع جميع المؤشرات بصورة واضحة فى الوجه القبلى وخاصةً فى الريف، وكذلك وجود فجوات بين الذكور والإناث فى معظم المؤشرات التنموية.
ومن ثم فإن اعتبار القضية السكانية هى مسئولية وزارة الصحة والسكان أو المجلس القومى للسكان الذى يتبع الوزارة منفردين يقود قضية السكان إلى طريق مسدود، فهى بالأحرى مسئولية مشتركة بين جميع الوزارات والهيئات والمجالس القومية، وتتضمن قائمة المسئولين القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية أيضا.
وخلال مؤتمر «حالة السكان فى مصر» الذى انعقد يوم 22 مايو 2017 أبدى الوزراء المشاركون رغبة واضحة فى المشاركة فى حل القضية السكانية، كما ظهر التزام الحكومة بذلك واضحا فى الاجتماع الذى عقده السيد رئيس الوزراء فى نهاية شهر مايو 2016 حضره عدد من الوزراء لمناقشة ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية القومية للسكان والتنمية 2030 التى تم إعلانها فى نوفمبر 2014 بحضور المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء آنذاك، ومع ذلك ظلت تتحرك بخطى بطيئة أقرب للجمود منها للحركة.
ويتمثل التحدى الحقيقى لتنفيذ هذه الاستراتيجية فى التنسيق بين الوزارات وبعضها وبين الحكومة والفاعلين الآخرين، وكذلك فى متابعة التنفيذ وتقييم الجهود المبذولة وتوجيه الوزراء والفاعلين الآخرين بتغيير أساليب التنفيذ وإعادة النظر فى البرامج المتبعة، ومحاسبتهم على التقصير فى حالة ثبوته، وهو ما لم تستطع القيام به الأطر المؤسسية المختلفة التى تتابعت منذ إعلان الاستراتيجية فى 2014 والتى شملت وجود مجلس قومى للسكان ثم استحداث وزارة للسكان ثم إلغاءها بعد 5 أشهر والعودة مرة أخرى إلى إسناد الاستراتيجية للمجلس القومى للسكان.
ولا يتوقف الأمر عند الاستراتيجية القومية للسكان، فهناك عدد من الاستراتيجيات التى تستهدف جوانب مختلفة من التنمية البشرية مازالت حبيسة الأدراج أو بدأ تنفيذها بصورة بطيئة لم تسفر عن أى تقدم فى وضع مصر كما تعكس المؤشرات المختلفة.
ومن هنا يقترح استحداث منصب نائب رئيس الوزراء لشئون السكان تكون له سلطة متابعة وتوجيه الوزارات فى تنفيذ الاستراتيجيات المختلفة وعلى رأسها الاستراتيجية القومية للسكان والتنمية وما يتعلق بها من تحسين خصائص السكان من خلال قيامه بمجموعة من المهام الأساسية التى تشمل:
1- مراجعة أدوار الوزارات المختلفة فى تحقيق مستهدفات الاستراتيجيات التنموية التى تستهدف الارتقاء بالمواطن المصرى والتنسيق بين الوزارات فى تنفيذ الاستراتيجية.
2- متابعة تنفيذ الاستراتيجيات وتحقيق مستهدفاتها بصورة دورية، وتحديد مناطق الاختناق ووضع الخطط للتغلب عليها.
3- تقييم عملية تنفيذ الخطط والبرامج المختلفة والمتعلقة بالاستراتيجيات، وإعادة تحديد المستهدفات وتوجيه كل الفاعلين الرئيسيين فى تنفيذ الاستراتيجية للأسلوب الأمثل للعمل على تحقيق المستهدفات.
ويتبع نائب رئيس الوزراء مكتب فنى يعاونه فى عمليات المتابعة والتقييم التى قد تتم بواسطة المكتب الفنى أو بواسطة جهات مستقلة مما يضمن حيادية نتائج عمليات المتابعة والتقييم.
الشروق