أخيرا، وبعد مضى عام وشهرين من توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، قال مجلس النواب المصرى كلمته فى تلك الاتفاقية، حيث وافق المجلس بأغلبية النواب فى جلسته أمس الأول على الاتفاقية. وهو مايعنى أن الاتفاقية ستصبح نافذة بمجرد تصديق الرئيس عليها. الهدف من هذا المقال ليس إعادة مناقشة الاتفاقية والأسانيد والحجج التى ساقها معارضو ومؤيدو الاتفاقية، فاللحظة الراهنة تجاوزت ذلك الجدل دون أن يعنى ذلك القضاء عليه نهائيا، إذ من المؤكد أن تداعياته وتداعيات نفاذ الاتفاقية ستظل تلقى بظلالها على كثير من التفاعلات فى الساحة السياسية فى الفترة المقبلة. ولكن هدف المقال طرح أو بالأحرى فضح دور إعلام «أهل الشر» ممثلا فى قناة الجزيرة وأخواتها, مثل قناة الشرق وقنوات جماعة الإخوان الإرهابية وصفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى وميليشياتهم الإلكترونية فى هذا الملف.
لقد سعى «إعلام الشر» لاستغلال اتفاقية تعيين الحدود وتوظيفها فى حربه الدائرة على الدولة المصرية. لبس عباءة المدافع عن الأرض تماما كما لبس عباءة المدافع عن الدين, تعمد تشويه الحقائق, سمى الاتفاقية اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير وليس تعيينا للحدود يعتمد بالأساس على قواعد القانون الدولي. أسس إعلام الشر ومعه كثير من المعارضين لإعادة تكييف القضية. سحبوا القضية إلى ساحة الخيانة والوطنية. وصفوا كل المؤيدين للاتفاقية بالخيانة. تخوين مصريين لمصريين آخرين هو بداية شق المجتمع بكل ما يحمله من تداعيات سلبية شديدة الخطورة. أغرق إعلام الشر الرأى العام فى دوامة أو متاهة الخرائط بينما الرأى العام غير مؤهل للتعامل مع تلك الخرائط وتمييز الغث من السمين منها. إعلام الشر انتحل صفة المدافع عن الأرض، بينما من يمولونه لم يُعْرَف عنهم يوما دفاع عن الأرض أو تقديس لها. إنهم لا يؤمنون فى الأصل بفكرة حدود الوطن. الدرس المستفاد هنا هو أن إعلام الشر لن يترك شاردة أو واردة ينفذ منها للنيل من الدولة المصرية ورئيسها إلا ويستخدمها، بل ويعيد استخدامها وتدويرها فى أوقات ومناسبات مختلفة للغرض نفسه.
على الجانب الآخر، وبمنتهى الصراحة، فإن الإعلام المؤيد للدولة المصرية قد تقاعس عن أداء مهمته الأساسية فى تأمين الرأى العام المصرى ضد تلك الاختراقات. عام من توقيع الاتفاقية لم ينجح فيه ذلك الإعلام فى أن يضع قضية تعيين الحدود مع السعودية فى إطارها الصحيح، وفى أن يضع كل الحقائق أمام الرأى العام. وهنا لابد أن نتوقف جميعا عند ما أعلنه مركز بصيرة لاستطلاعات الرأى العام أخيرا من أن نسبة من لا يعرفون ما إذا كانت الجزيرتان مصريتين أم لا قد ارتفعت لتصل إلى 42% مقابل 31% فى أبريل 2016. ليس القصد هنا أيضا تحميل الإعلام وحده المسئولية عن ذلك, فالدولة بكل تأكيد تتحمل الجزء الأكبر منها على الأقل لأنها لم تضع إستراتيجية إعلامية واضحة للتعامل مع الملف. والدرس المستفاد هنا هو أن مواجهة الحرب الإعلامية التى تواجهها الدولة تتطلب بكل تأكيد منهجا وإعلاما غير الذى لدينا. فالجزيرتان لم تكونا القضية الأولى ولن تكونا الأخيرة التى سيسعى إعلام الشر لاستخدامها للنيل من أمن واستقرار الدولة المصرية. وفى النهاية، فإن مواجهة هذا المخطط وإفشاله ليست مهمة الرئيس ومؤسسات الدولة فقط بقدر ما هى مهمة ومسئولية كل مصرى يثق فى قوة وطنه, ويعمل من أجل تأمين مستقبل أفضل يليق به وبشعبه العظيم. وكما قال الرئيس السيسى قبل عامين ونصف عام «محدش هايقدر على مصر طول ما أهلها كتلة واحدة
الأهرام