تمنى أن تفكر الحكومة المصرية بهدوء وتأمل وروية وعقل فى نتيجة استطلاع الرأى الذى أجراه مركز «بصيرة».
الاستطلاع الذى نشرت نتائجه أمس الأول يقول إن ٤٣٪ من المصريين يرون أن تيران وصنافير مصرية و١١٪ فقط يرون أنها سعودية و٤٢٪ لم يكونوا رأيا نهائيا بعد، أو قالوا إنهم لا يعرفون.
يصعب تماما اتهام مركز بصيرة بأنه صاحب أجندة أو أنه عميل وممول، حيث يقوده باحث متمرس صاحب خبرة طويلة، كما أنه كان وزيرا سابقا للاتصالات هو الدكتور ماجد عثمان، وتم إجراؤه على عينة احتمالية من 1164 شخصا اعمارهم فوق الـ18 عاما على مستوى محافظات الجمهورية.
أعلم تماما أن استطلاعات وقياسات الرأى لا يمكنها بمفردها أن تكون أداة حكم وإدارة للدول، لكنها تعطى مؤشرا مهما للغاية لصانع القرار، حتى يضع كل النقاط والاتجاهات والتطورات والأفكار أمامه وهو يتخذ القرار.
حتى هذه اللحظة لم أر مصريا عاديا يؤيد الاتفاقية، بل إن نسبة المعارضين لها فى ازدياد مستمر، وهو ما أكده استطلاع بصيرة بقوله إن عدد مؤيدى الاتفاقية انخفض من ٢٣٪ قبل أكثر من عام إلى ١١٪ فقط الآن مقابل ارتفاع نسبة مؤيدى مصريتها من ٣٠٪ إلى ٤٣٪.
فى الأيام الأخيرة صار عدد كبير من الناس يوقفوننى فى الشارع أو فى أى مكان عام ويقولون لى: «أرجوك بلغ كل من تعرفه من المسئولين بأن تيران وصنافير مصرية وأن الموافقة على تسليمهما للسعودية سوف يتسبب فى خسائر ضخمة».
بالطبع هذه العينة العشوائية التى تقابلنى لا تتحدث باللغة العربية بل معظمها قال لى هذه الرسالة بلغة سوقية يصعب كتابتها هنا.مرة أخرى لا أطالب الدولة بأن تتخذ قراراتها بناء على أفكار وآراء عينة هنا أو هناك، لكن أطلب منها فقط، وحرصا على مصلحتها البرجماتية البحتة أن تفكر قليلا وبهدوء، فيما تفعله الآن، وفيما هى مقدمة عليه من اتخاذ قرار صعب ستكون له نتائج صعبة ومعقدة ومتنوعة فى الفترة المقبلة.
أحلم بمعجزة وأتمنى من كل قلبى ألا يتم تمرير الاتفاقية من قبل النواب، أو تحال إلى الاستفتاء العام، لكن على الأقل فعلى الحكومة وأجهزتها مراعاة مشاعر المواطنين، وعدم صدمتهم بهذه الطريقة التى ستعمل على زيادة مشاعر الغضب والكبت والقهر لاحقا.
التعامل مع ملف هذه القضية، كان شديد الكارثية منذ اليوم الأول لها حينما زار محمد بن سلمان ولى ولى العهد السعودى القاهرة فى منتصف عام ٢٠١٥، وتقرر وقتها بدء ترسيم الحدود البحرية بين البلدين مرورا بتوقيع الاتفاقية نفسها فى أوائل إبريل من العام الماضى، ونهاية بما يحدث الآن داخل البرلمان، والقبض على بعض الزملاء الصحفيين لمجرد أنهم يعبرون عن رأيهم.
مرة أخرى لن أدخل فى جدل الخرائط والوثائق والمكاتبات، لكن الطريقة التى تتصرف بها الحكومة منذ اليوم الأول وحتى هذه اللحظة تعطى للمعارضين كل الحق فى الشعور بأن شيئا ما تم تدبيره وأن المطلوب هو تمرير الاتفاقية بأى طريقة!.
ما أود أن ألفت نظر الحكومة إليه أن الذى وصل لغالبية الناس فى الشارع المصرى أن الجزيرتين مصريتان، وأن حكومتنا لم تقم بما ينبغى عمله فى هذا الملف، بل إن أطرافا كثيرين داخلها تحولوا إلى محام للحكومة السعودية من دون أن يتم الطلب منهم ذلك!!.
أما أنصار الحكومة خصوصا بعض الكتاب، فقد ارتكبوا جريمة مكتملة الأركان، بحق أنفسهم أولا وبحق بلدهم ثانيا حينما هللوا بأن الجزيرتين سعوديتان. لنفترض أنهما كذلك، فما هو الداعى للتهليل؟!!!.سترد الحكومة وتقول: وهل تقبل أنت أو نقبل نحن كبلد أن نأكل حقوق الجيران؟!لا أحد يقبل بالطبع اذا كانت حقوقهم، لكن السؤال هو لماذا هذا التهليل الفج؟! لماذا لا نترك الإخوة السعوديين يدافعون عن حقهم إذا كان فعلا هو حقهم؟!الخلاصة أن الطريقة التى تصرفت بها الحكومة كانت مأساوية، وجعلت الكثير من الناس المؤيدين للحكومة ينصرفون عنها، بل ويجاهرون بمعارضتها.مرة أخرى أسأل الحكومة: هل أنتم واثقون بأنكم تعرفون ما يجرى فى الشارعالشروق