عنوان هذا المقال ليس اسم حركة اجتماعية تعادى المرأة وليس أيضا اسم حزب سياسى للرجال ولكنه خلاصة لنتائج مسح ميدانى تم إجراؤه خلال عام 2008 حول القيم السائدة بين الشعب المصرى بواسطة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
وقبل أن أسترسل فى نتائج هذا المسح الميدانى المتعلقة بقضايا المرأة أشير إلى أن هذا المسح تم إجراؤه بهدف التعرف على منظومة القيم والتى تشمل العديد من الأبعاد مثل الهوية القومية والدينية، قيم العمل، النوع الاجتماعى، قضايا البيئة، ودور الدولة. ولعل أهم ما يميز هذا المسح الميدانى أنه جزء من المسح العالمى للقيم الذى بدأ إجراؤه فى بعض الدول الأوروبية فى بداية الثمانينات واتسع نطاقه الجغرافى ليشمل نحو 90 دولة يتم إجراء هذا المسح الميدانى بها.
تم إجراء هذه الدراسة باستخدام مجموعة من الأسئلة المدروسة بعناية مما يسمح بعقد مقارنات دولية بين الشعوب المختلفة باستخدام نفس أداة القياس. ومن ناحية أخرى فإن تكرار هذه الدراسة يسمح بالتعرف على اتجاهات التغير فى منظومة القيم، وهو ما نحتاجه بشدة فى مصر فى ضوء المؤثرات الثقافية التى يتعرض لها المجتمع المصرى والتى لا ندرى على وجه اليقين نتائج التفاعل بينها وبين الشخصية المصرية.
وقد اشتمل هذا المسح الميدانى على عدد كبير من الأسئلة منها ثلاثة أسئلة استخدمت بواسطة علماء الاجتماع كمؤشرات لقياس مدى إيجابية نظرة المجتمع للمرأة. أول هذه الأسئلة كان يقيس درجة الموافقة على العبارة التالية: «عندما تقل فرص العمل، يجب إعطاء الأولوية للرجال فى الحصول على وظائف عن النساء».
وجاءت نسبة المصريين الموافقين على هذه العبارة 89% والملفت للنظر أن نسبة الموافقة كانت مرتفعة بين الجامعيين (84%) وهو ما يشير إلى أن نظام التعليم لم يكن له تأثير إيجابى على اتجاهات وسلوك المواطن المصرى ولم يصل به إلى القناعة بأن الكفاءة يجب أن تكون عامل هام فى إسناد الوظائف.
وكما ذكرت فى بداية المقال فإن هذه الدراسة تم تنفيذها فى عدد كبير من دول العالم والملفت أن نسبة الموافقة فى مصر على هذا السؤال كانت هى أعلى نسبة على الإطلاق بين الدول التى طبقت بها هذه الدراسة. وكانت نسبة الموافقة على إعطاء الأولوية للرجال فى الحصول على الوظائف عن النساء 69% فى إيران و53% فى تركيا و51% فى المغرب والهند و42% فى الصين و22% فى البرازيل وهى كلها دولا نامية وبعضها دولا بها أغلبية مسلمة.
وقد تكرر نفس النمط لتتصدر مصر المركز الأول فى نسبة الموافقة على العبارة التالية: «بشكل عام الرجال أفضل من النساء فى تنفيذ الأعمال»، حيث ذكر 63% من المصريين أنهم يوافقوا على هذه العبارة بشدة. وإذا نظرنا إلى دول العالم النامى لوجدنا أن هذه النسبة كانت 39% فى الأردن و25% فى المغرب و21% فى إيران و20% فى الهند و10% فى تركيا و5% فى الصين والبرازيل.
وبالمثل عندما تم استطلاع رأى المواطنين حول العبارة «دور الزوجة كربة منزل يشعرها بالرضا تماما كما لو كانت تعمل خارج المنزل بأجر» جاءت نسبة الموافقة فى مصر الأعلى بين دول العالم (التى أجريت فيها الدراسة)، حيث وافق 66% على هذه العبارة بشدة مقابل 50% فى الأردن و25% فى المغرب و24% فى تركيا و22% فى الهند و12% فى كل من الصين والبرازيل.
والسؤال الذى يفرض نفسه عند قراءة هذه الأرقام هو لماذا يقف المصريون هذا الموقف المعادى لدور المرأة فى الحياة العامة مقارنة بشعوب أخرى ربما لم تشهد نماذج نسائية مضيئة شهدتها مصر على مر العصور. وكيف استطاع المصريون محو رموز نسائية كان لها بصمات فى الحياة العامة على مر العصور منذ العصر الفرعونى ومرورا بالعصر الإسلامى وانتهاء بالتاريخ الحديث. وكيف وصموا المرأة بأنها لا تصلح لتقلد العديد من الوظائف على الرغم من نماذج مشرقة لمصريات تقلدوا وظائف هامة وحققوا فيها نجاحات لا يمكن إنكارها.
ربما يفسر ذلك أن الحديث عن تمكين المرأة طوال العقود الأخيرة ارتبط فى أذهان الناس بأجندة خارجية. وساهمت الحساسية المفرطة لكل ما هو «فكر غربى» فى إطلاق العنان لنظرية المؤامرة وكان رد الفعل الشعبى هو رفض كل ما ارتبط بحديث تمكين المرأة وعدم الرغبة أو القدرة على فرز الغث من الثمين. واستقرت فى أذهان الكثيرين علاقة بين الحديث عن تمكين المرأة والعداء للإسلام ومحاولة الآخر لهدم المجتمع الشرقى والعبث بقيمه ونشر الانحلال فيه. كما ساهمت مسحة الطبقية والنخبوية التى اكتست بها الحركة النسائية فى بناء جدار من العزلة بين القائمين على الحركة النسائية وبين النساء البسطاء. وفى النهاية، لم تجد المرأة المصرية البسيطة فى تشكيلات المجالس والمنتديات التى تتحدث عن قضايا المرأة من يشبهها وبالتالى لم تر فى هذه المجالس سوى «هوانم جاردن سيتى».
وفى ظل هذا المناخ غير الصحى غابت قضايا مهمة تواجه المرأة المصرية ترتبط بكرامتها وإحساسها بالأمان فى الشارع وفى وسائل المواصلات العامة وفى الأسواق. وعلى كل مصرى أن يطأطئ رأسه خجلا من حوادث التحرش التى تتعرض لها المرأة المصرية بل والفتاة المصرية. وقد شعرت بالأسى عندما استمعت إلى تحليل لهذه الظاهرة يتضمن أن التحرش يتوقف خلال شهر رمضان وأنه يبدأ فورا مع بداية عيد الفطر وهو ما يعطى انطباعا بأن هذه الظاهرة الكريهة أصبحت تتم بشكل ممنهج.
وحالة عدم المواجهة الصارمة لهذه الظاهرة يشير بلا شك إلى ازدواجية فى الشخصية المصرية. فتفسير رفض كل ما يرتبط بتمكين المرأة ينبع من منهج محافظ جذوره دينية لا يقبل إنصاف المرأة خوفا على قيم المجتمع. وفى نفس الوقت، يتم السكوت عما تتعرض له المرأة المصرية من تحرش علنى اكتفاءً فى مواجهة المنكر بأضعف الإيمان. وهذه الازدواجية فى التعامل مع المرأة تمس مشكلات أخرى تواجه نساء مصريات منها عدم تطبيق الشرع فى توريث المرأة أو الجور على نصيبها من الميراث وأيضا تجاوزات فى تطبيق الأحوال الشخصية.
كثير من المصريين يرون أن قضايا المرأة المصرية ستشهد مزيدا من التراجع فى ظل نظام حكم ذى مرجعية إسلامية ويقولون إن كل الوعود التى أُطلقت فى هذا الصدد ليست سوى أحاديث مرسلة لا تسمن ولا تغنى من جوع. ولكن هل يفاجئنا الرئيس ويخرج علينا بسياسات تستجيب لمعاناة المرأة المصرية وتنبع من البيئة المحلية، سياسات لا تعتمد بالضرورة على حلول مستوردة ولكنها لا تستحى فى الوقت ذاته من الاستفادة من الخبرات الدولية، سياسات تفجر طاقات المرأة للبناء والتنمية وتحافظ على كرامتها وتحقق لها الأمان.
الشروق