تناولت فى مقال سابق نتائج المسح العالمى للقيم الذى تم إجراؤه عام 2008 فى عدد كبير من دول العالم ومن ضمنها مصر والذى أشارت نتائجة إلى النظرة السلبية للمصريين للدور الذى يمكن أن تقوم به المرأة فى الحياة العامة.
ونظراً لأننى تلقيت الكثير من التعليقات من القراء الذين أطلعوا على مقالى رأيت من المناسب أن أسترسل فى مناقشة الموضوع لإلقاء مزيد من الضوء حول الأسباب المحتملة لهذا التوجه وانعكاساته على المجتمع المصرى. وسأبدأ بالإشارة إلى نتائج عدد آخر من استطلاعات الرأى العام والتى تتضمن تفاصيل أكثر حول نظرة المجتمع لدور المرأة فى المجال العام.
فى مجموعة من استطلاعات الرأى العام التى أجريت عام 2009 بواسطة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أظهرت النتائج أن أكثر من نصف المصريين يرفضون تقلد المرأة لعدد من المناصب التى كانت دائماً مناصب ذكورية مثل منصب العمدة (74%) ورئيس الجمهورية (65%) والمأذون (60%) والمحافظ (52%) والقاضى (50%).
وتبدو المفارقة فى أن نسبة من يخشون على منصب العمودية من المرأة تفوق نسبة من يخشون على منصب رئيس الجمهورية من المرأة.
وفى المقابل فإن درجة الرفض تقل فى حالة الوظائف التى شغلتها المرأة فعلاً مثل منصب الوزير (نسبة الرفض 22%) وعضو مجلس الشعب أو الشورى (22%) وعضو المجلس المحلى (17%).
ويفسر ذلك بأن المصريين ربما يرفضون تولى المرأة لمنصب تمارس فيه القيادة ولها الولاية على آخرين بدءاً من مستوى رئيس الجمهورية حتى منصب العمدة ومروراً بالمحافظ والقاضى والمأذون. والتفسير الإضافى ربما يتصل بالموافقة على إبقاء المرأة فى المناصب التى تعودنا على وجودها فيها مثل منصب الوزيرة وعضوية مجلس الشعب والشورى وعضوية المجلس المحلى دون السماح لها بتولى قيادة فريق سواء كان الفريق الذى يدير الدولة أو الفريق الذى يدير القرية.
كما لا يمكن أن نفصل بين كل النتائج التى أوردناها وبين حصيلة أداء المرأة المصرية فى انتخابات مجلس الشعب والشورى سواء فى ظل نظام يُروج لتمكين المرأة أو فى ظل يتحفظ فى فتح المجال العام أمامها. كما لا يمكن أن نفصل بين اتجاهات الرأى العام السلبية نحو قيام المرأة بدور فى الحياة العامة وبين التجاوزات التى تحدث فى التعامل معها فى الشارع وفى وسائل المواصلات والتى تعدت كل الحدود.
وفى سياق آخر، قام المركز المصرى لبحوث الرأى العام (بصيرة) باستطلاع للرأى العام حول اختيار نائبة لرئيس الجمهورية. وأوضحت النتائج أن 55% من المصريين يوافقون على أن تشغل المرأة منصب نائب الرئيس. وهذه النتيجة تبدو جيدة مقارنة بنسب الموافقة على شغل وظائف أخرى. ولا ندرى هل غموض صلاحيات منصب نائب الرئيس يجعل الذين لا يؤمنون بقدرة المرأة على القيام بدور فى العمل العام يتغاضون عن موقفهم المتشدد؟ أم أن الالتزامات التى وعد بها مرشحو الرئاسة لإنصاف المرأة بمنصب نائب الرئيس ــ والتى يبدو أنها ما زالت تحت الدراسة ــ قد ساهمت فى إحداث تحول إيجابى شعبى يقبل بأن تشغل المرأة وظيفة نائب الرئيس.
وأظهرت النتائج وجود تباينات بين الشرائح الاجتماعية المختلفة من الإناث وكان التفاوت الأكثر وضوحاً هو الفارق بين المستويات التعليمية المختلفة. وقد بلغت نسبة موافقة خريجى الجامعات على شغل المرأة المصرية لهذا المنصب الرفيع 66% مقابل 54% للحاصلات على شهادة متوسطة ومقابل 46% للأقل تعليماً. كما كان هناك فارق كبير بين موافقة المقيمات فى الحضر (59%) والمقيمات فى الريف (49%). إلا أن اللافت للنظر كان فى عدم وجود فارق يذكر بين الأجيال، حيث كانت نسبة الموافقة بين اللاتى تجاوزا الخمسين سنة 52% وفى المقابل لم تتجاوز نسبة الموافقات من الشابات دون الثلاثين 57% وهو فارق بسيط يدعو إلى مزيد من التحليل لقيم الشباب التى أصابها الهرم وغاب عنها الحيوية والتفتح والطموح والثقة بالنفس التى يفترض أن يتمتع بها الشباب.
إلا أن المفاجأة غير السارة فى نتائج هذا الاستطلاع كانت فى نسبة اللاتى يوافقن على أن تشغل المرأة منصب نائب الرئيس. فقد بلغت نسبة الموافقة 54.6% بين الإناث وهى نسبة تقل قليلاً عن نسبة الموافقة بين الذكور وهى نتيجة تثير الدهشة، وتعطى إحساساً بأن نسبة عالية من الإناث لا يثقن فى قدرات المرأة على التصدى للعمل العام ولعب دور محورى فى المجال العام. ويتصل بذلك نتائج دراسة أخرى أجريت عام 2008 للتعرف عما إذا كانت المرأة العاملة تُـفـضل أن يكون رئيسها المباشر فى العمل رجلاً أم امرأة. كانت نسبة العاملات اللاتى يُفضلن رئيسا مباشرا رجلا أكثر من ثلاثة أضعاف العاملات اللاتى يفضلن أن يكون رئيسهن المباشر امرأة. ولا يمكن أن نفصل بين هذه التوجهات الكامنة داخل المرأة المصرية والنظريات الاجتماعية التى تفسر الديناميكية القائمة بين أفراد الجنس الواحد مقارنة بالديناميكية القائمة بين الجنسين والتى لا يتسع المجال للخوض فيها.
ولكن من المهم ألا يدفعنا ذلك إلى المضى فى برنامج مستنير لمراجعة أوضاع المرأة، يتجاوز الإحسان إلى التمكين وينتقل من التعاطف اللفظى إلى التحرك العملى. وهنا نشير إلى أهمية دور الإرادة السياسية للنخب الحاكمة فى إحداث تحول ثقافى فى الاتجاه الصحيح، كما نشير إلى أن الزعامات التاريخية هى التى تقود الجماهير إلى الأمام بدلا من أن تلهث وراء الجماهير إلى الخلف.
\فهل تفاجئنا القيادة السياسية وتُحدث قفزة إلى الأمام فى ملف المرأة يأخذ فى الاعتبار معطيات العصر ولا يتجاهل حاجة المجتمع المصرى الماسة لكل الخبرات والقدرات. ويأخذ أيضاً فى الاعتبار حاجة المسلمين فى كل مكان فى العالم إلى نموذج حضارى يحترم الجانب الحقوقى ويُكرس المدخل التنموى ولا يتردد فى طرح اجتهادات جيدة ولا يخشى من مزايدة الآخرين. وهو ما يجب أن تقدمه جماعة الإخوان المسلمين وقد اتيحت لها أول فرصة فى تاريخها لتولى مقاليد الحكم.
ويجب ألا يغيب عن الجميع أن مصر وإن كانت مثقلة بالأعباء إلا أن نجاح أى نموذج حضارى أو فشله فى مصر يتجاوز تأثيره حدودها الجغرافية.
الشروق