ينقصنا دائما الأرقام حول المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التى ترفع وعى المجتمع، وتجعل صانع القرار أمامه بدائل سياسات للاختيار بينها. فى تقديرى أن المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» يسد فراغا فى هذا المجال، وكان آخر ما اطلعت عليه فى ندوة عقدت الأسبوع الماضى دراسة احصائية شيقة عن الخدمات العامة فى المجتمع.
تقوم الدراسة على عينة متنوعة جيليا، وعمريا، ونوعيا، وكذلك طبقيا، ومناطقيا، وما تمخضت عنه من نتائج، قد لا تكون مستغربة فى بعض النقاط إلا أنها تفتح الباب أمام مزيد من التفكير، والتحليل، والقراءة الخاصة.
• الناس لا تزال ترى أن الحكومة هى التى ينبغى أن تسد احتياجاتهم الأساسية بنسبة 86%، تأتى بعدها المؤسسات الخيرية، وأخيرا القطاع الخاص بنسبة 2% فقط. يعنى ذلك فى أحد معانيه أن القطاع الخاص الذى يستوعب أضعاف قوة العمل التى تستوعبها الأجهزة الحكومية، وله دور واسع فى العملية الانتاجية ليست له شرعية كافية لدى المواطنين الذين لا يزالوا يتعلقون بأهداب الحكومة.
• الناس ترى أن الحكومة تقدم خدمات أفضل بنسبة 56%، تليها المؤسسات الخيرية بنسبة 20%، ثم القطاع الخاص بنسبة 11%، ولكن هذا لا يمنع من أن يقول أكثر من الثلث 37% إنهم يدفعون أكثر من سعر السلعة المقرر للحصول عليها من الجهات الحكومية، أيا كان اسمه رشوة أو إكرامية، المهم أنهم يضطرون لدفع ثمن أعلى، الملفت أن 83% لا يلجأون للشكوى من ذلك، وكأن الفساد أضحى ثقافة عامة.
• الناس غير سعيدة على الخدمات التعليمية، سواء قدمتها الحكومة أو القطاع الخاص أو المنشآت الأزهرية، بالطبع بنسب مختلفة، وأن رضاء الجانب الأكبر من المستجوبين نسبى أو على طريقة «ماشى الحال»، بالطبع تناولت الدراسة أسبابا متنوعة لعدم رضاء الناس على التعليم، وهو ما ينبغى أن يكون مدخلا فى عملية صنع السياسة التعليمية.
• مرة أخرى الناس غير راضية على الخدمات الصحية أيا كانت الجهة التى تقدمها، 35% فقط راض عما تقدمه المنشآت الطبية الحكومية، فى حين أن 43% راض عما تقدمه نظيراتها الخاصة، تتعدد الأسباب التى ترصدها الدراسة، مع وجود تقارب فى النسب رغم التفاوت القليل لصالح المنشآت الخاصة، ما بين سوء تعامل الكادر الطبى، وتراجع المستوى، والتجهيزات، والخدمات الطبية، وخلافه.
هناك فى الدراسة إحصاءات تفصيلية عما سبق تناوله، ومجالات أخرى من الخدمات العامة لا يتسع المقام لها. والسؤال: فى الدول المتقدمة مثل هذه الاستطلاعات تكون عادة باعثا على التطوير والتحديث والتغيير، تحسين الصورة العامة أو معرفة مواطن الخلل لإصلاحها، أو المساءلة الجادة، أو رفع مستوى رضاء المواطنين حين يشتعل الغضب فى أعماقهم. ماذا تفعل المؤسسات العامة فى مجتمعنا؟ هل تهتم باستطلاعات الرأى أم تنتقى من ثناياها ما يحلو لها أم ترى أنها ترف لا تستطيع مجاراته أم تتجاوزه باعتباره «كلام باحثين»؟ الإجابة ليست عندى، ولكن ما اعتقده أن السياسات العامة الكفء ترتبط بوجود ماكينة كفء لإنتاج واستقبال الاحصاءات، والإفادة منها.
الشروق