تجرى كثير من الدول استطلاعات رأى عام حول تقييم أداء الرؤساء، وتجتذب مثل هذه الاستطلاعات المهتمين بالشأن العام، كما تحظى باهتمام شديد من جانب الرؤساء ومساعديهم والحزب الذى ينتمون له، وتحظى باهتمام مواز من جانب المعارضين. بدأ تنفيذ هذه الاستطلاعات فى الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام ١٩٤٥، وكررت مؤسسة «جالوب» هذا الاستطلاع ٦٥ مرة فى الفترة من يونيو ١٩٤٥ إلى ديسمبر ١٩٥٢ بمتوسط استطلاع كل ٦ أسابيع، وتزايدت دورية القياس تدريجياً ليصل عدد استطلاعات الرأى العام التى أجريت حول أداء الرئيس بوش الابن خلال فترة رئاسته التى امتدت ٨ سنوات إلى ١٤٥٠ استطلاعاً، بمتوسط استطلاع كل يومين، وخلال الـ١٠٠ يوم الأولى من فترة رئاسة أوباما، أجرت مراكز استطلاع الرأى العام ٤٨ استطلاعاً.
ويقدم المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» أول استطلاع للرأى العام يتم على عينة احتمالية تمثل مجتمع الناخبين فى مصر حول تقييم المصريين لرئيسهم بعد مرور ٦٠ يوماً على بداية رئاسته، وذلك انطلاقاً من أن مثل هذه الاستطلاعات مكمل لا غنى عنه لعملية التحول الديمقراطى، وأن الحكم الرشيد الذى يتشوق إليه المصريون لا يرتفع بنيانه إلا إذا سادت قيم المساءلة والشفافية والاستجابة، ولن يتسنى للحاكم أن يستجيب للجماهير بشكل مناسب إلا بوجود قنوات محايدة ترصد رأى الشعب دون تجميل صورة قبيحة ودون تقبيح صورة جميلة.
وتشير نتائج الاستطلاع، الذى قام بقياس تقييم الشعب المصرى لرئيسه، إلى أن ٧٧٪ من المصريين موافقون على أداء الرئيس محمد مرسى، و١٣٪ غير موافقين، و١٠٪ غير متأكدين، ولم تكن هناك فروق جوهرية بين تقييم سكان الريف والحضر أو المناطق الجغرافية أو الأجيال العمرية المختلفة، وكان التباين الواضح بين الجامعيين الذين انخفضت نسبة الموافقة بينهم إلى ٧٢٪، أما المؤهلات المتوسطة فارتفعت نسبة موافقتهم على أداء الرئيس إلى ٨١٪.
وتضمن الاستطلاع سؤالاً افتراضياً نصه «لو كان فيه انتخابات بكرة، ومحمد مرسى مترشح فيها، هتنتخبه؟» ذكر ٦٠٪ من المشاركين فى الاستطلاع أنهم سينتخبون «مرسى» و١٨٪ قالوا إنهم لن ينتخبوه، و٢٢٪ غير متأكدين، أو أن اختيارهم سيتحدد حسب المرشحين الآخرين، وفى محاولة لفهم العلاقة بين هذه النتائج والانتماء السياسى للمواطن، تم سؤال كل مشارك عن المرشح الذى صوت له فى جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية، وأظهرت النتائج التى تربط بين التصويت الفعلى فى الانتخابات الرئاسية والتصويت الافتراضى «لو كان فيه انتخابات بكرة ومحمد مرسى مترشح فيها، هتنتخبه؟» أن ٧٦٪ من الذين انتخبوا «مرسى» ينوون إعادة انتخابه و٥٪ منهم فقط لا ينوون إعادة انتخابه، أما باقى العينة «١٩٪» فذكروا أنهم غير متأكدين، أو أن اختيارهم سيتحدد حسب المرشحين الآخرين، وفى المقابل فإن المشاركين فى الاستطلاع، الذين قالوا إنهم انتخبوا المرشح أحمد شفيق، ذكر ٢٨٪ منهم أنهم سينتخبون «مرسى» مقابل ٤٠٪ قالوا إنهم لن ينتخبوه، وذكر ٣٢٪ منهم أنهم غير متأكدين، أو أن اختيارهم سيتحدد حسب المرشحين الآخرين.
وللحصول على تحليل أكثر تكاملاً عن تقييم الرئيس، تم سؤال المشاركين فى الاستطلاع عن رأيهم فى التقدم الذى تحقق فى المجالات الـ٥ التى شملها برنامج الرئيس فى الـ١٠٠ يوم الأولى، وهى تحقيق الأمن، وتوفير رغيف الخبز، والتخلص من القمامة، وحل أزمتى الوقود والمرور، وجاءت النتائج أن التحسن الواضح وفقاً لما عبر عنه المواطن المصرى كان فى مجال الوقود، ثم الأمن، ثم المرور، ويلى ذلك ملف القمامة، ويأتى رغيف الخبز فى نهاية القائمة، وبطبيعة الحال فإن التحسن لا يعنى حل هذه المشكلات، وإنما الاسترشاد به فى المقارنات النسبية بين الأداء الحكومى فى القطاعات التى اشتمل عليها برنامج الـ١٠٠ يوم، وفيما يلى تفصيل لنتائج كل قطاع:
أولاً: بالنسبة للوقود، ذكر ٦٢٪ أنه حدث تحسن فى الأزمة، و٢٧٪ ذكروا عدم وجود تحسن، و٧٪ قالوا إن الوضع أسوأ، فيما لم يجب ٥٪ عن السؤال، وكان إدراك التحسن فى مشكلة نقص الوقود أوضح فى الريف وفى الوجه البحرى.
ثانياً: بالنسبة للأمن، ذكر ٥٨٪ أنهم شعروا بتحسن، و٣٣٪ قالوا لم يحدث تحسن، و٥٪ أكدوا أنهم شعروا بتراجع الأمن، أما باقى العينة «٤٪» فلم تجب عن السؤال، وكان الإحساس باستعادة الأمن أكثر وضوحاً فى الحضر، خاصة فى المدن الكبرى وهو ما يدعو لمزيد من الاهتمام فى الفترة المقبلة بتعزيز الأمن فى المناطق الريفية.
ثالثاً: ذكر ٥٥٪ أن المرور تحسن، مقابل ٣٢٪ اعتبروه لم يتحسن، و٣٪ قالوا إن المرور ازداد سوءاً، وكان الإحساس بتحسن المرور أعلى فى المدن الكبرى والوجه البحرى مقارنة بالوجه القبلى وهو ما يدعو لإعطاء مزيد من الاهتمام بالوجه القبلى.
رابعاً: بالنسبة للقمامة، ذكر ٥١٪ حدوث تحسن، مقابل ٣٥٪ أكدوا أنها لم تتحسن، وذكر ٨٪ أن الوضع ازداد سوءاً، وتشير النتائج التفصيلية إلى أن الشكوى من عدم التخلص من القمامة تزيد بشكل واضح فى الوجه القبلى.
خامساً: بالنسبة لرغيف الخبز، اعتبر ٣٤٪ أنه تحسن، مقابل ٤٣٪ اعتبروه لم يتحسن، و١٠٪ ذكروا أن الرغيف ازداد سوءاً، ولا تبدو هناك فروق جوهرية بين سكان الحضر والريف، أو بين سكان الوجه البحرى والقبلى فى مدى تحسن رغيف الخبز.
وبصفة عامة يبدو الإحساس بمدى الإنجاز المتحقق فى برنامج الرئيس أضعف بين سكان الوجه القبلى، خاصة فى مجالى القمامة والوقود، وأهل الصعيد، الذين عانوا من الإهمال طوال العقود الماضية ربما يرجع عدم رضاهم النسبى إلى ارتفاع سقف تطلعاتهم، باعتبارهم هم الذين ساندوا الرئيس محمد مرسى وكانوا وراء نجاحه.
ولعل الملحوظة الأخيرة التى يجب أن تستوقفنا هى الفارق بين نسبة الموافقين على أداء الرئيس ونسبة الذين يلمسون تقدماً فى تنفيذ برنامج الـ١٠٠ يوم، وهناك عدد من التفسيرات التى نوردها فيما يلى:
١- إن الموافقة على أداء الرئيس لا تقتصر فقط على إنجاز برنامج الـ١٠٠ يوم، وإنما ربما تتأثر بقرارات أخرى ذات طبيعة سياسية مثل: «إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، أو القرارات الخاصة بتغيير القيادات العسكرية»، أو ذات صلة بإدارة ملف العلاقات الخارجية مثل: «زيارة الصين وإيران» التى لاقت استحساناً جماهيرياً.
٢- المُشاهد عالمياً أن المساندة للرئيس تزداد عندما تتعرض الدولة للخطر أو لتحد خارجى، وربما ساهم الهجوم الغادر الذى تعرض له جنود مصر وراح ضحيته ١٦ شاباً مصرياً لحظة الإفطار فى زيادة درجة الاصطفاف حول الرئيس.
٣- المواطن العادى ربما يكون أكثر صبراً من النخب السياسية المعارضة، وربما سيتسع صدره وينتظر إلى نهاية الـ١٠٠ يوم ليعطى الرئيس المدة كاملة لحل مشكلات يعلم الجميع أنها ليست سهلة الحل.
لعل هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها قياس منهجى لمدى الموافقة على أداء رئيس الجمهورية المصرى، وأهمية هذه القياسات تكمن بالدرجة الأولى فى دورية إجرائها باعتبارها إحدى أدوات الرقابة الشعبية وإحدى أدوات التقييم الموضوعى لأداء مؤسسات الدولة.
المصري اليوم